من أصدق من الله قيلا؛  عندما قال : {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}؟ .. لا أحد .

ومن أحسن من الله حديثا؛ عندما قال: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3)فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا ۚ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5)رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)}  [من سورة الدخان]

★ وهذه عشر من المعاني الهامة في روح القيام بعد الصيام في تلك العشر التي باركها الكريم سبحانه.

1- استحضر عظمة قدر ليالي العشر بأن تتذكر أن العظيم -سبحانه- جعل فيها أعظم ليلة، من أعظم شهر، وأنزل فيها أعظم ملائكته على أعظم رسله بأعظم كتبه، ولذلك لو ظفرت بشهودها؛ فقد حباك الكريم وحياك.. وإن فاتك فأنت حقا   ملوم محروم.

2- لنوال فضائل ليلة القدر، اغتنم ليالي العشر كلها، التي لا تدرك  العقول جوانب فضلها، ولا تفي الألسنة بكامل وصفها من ضمن الشهر الكريم الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ( فيهِ ليلةٌ خيرٌ مِنْ ألفِ شهرٍ ، مَنْ حُرِمَ خيرَها فقدْ حرِمَ  الخير كله، ولايحرم خيرها إلا محروم) [صحيح ابن ماجة/١٣٣٣]   }

3- استشعر في تلك الليلة حقيقة معنى الكرم الإلهي، فمن أسمائه الله الحسنى: (الكريم) و(الأكرم) و(ذو  الجلال والإكرام) وبهذا الكرم جعل الله تلك الليلة تعادل في خيرها -بل تزيد- عن عبادة ألف شهر (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أي ما يزيد عن عبادة رجل عمر ثلاثا وثمانين سنة وأربعة أشهر؛ في طاعة متواصلة، ليس في شهر منها ليلة قدر، وقد أكرم الله بفضلها أمة محمد لما تقاصر أعمار أمته بين الأمم، ففضلهم الله بها على سائر الأمم.

4- زد طمعا في كرم الوهاب الكريم الذي لاحرج على فضله _ سبحانه _ فلا توقف أملك ورجاءك عند قبول ليلة من ليالي القدر في العمر، بل انشد في كرمه أن تكون ممن تقبل الله منه فيما مضى ليالي قدر  قبلها ، بمايقابل أعمارها ، وأن تكون ممن يمد الله في عمره ويصلح عمله، حتى يشهد ليالي قدر بعدها، فتكون بذاك معمرا في طاعة الله أضعاف عمر نوح عليه السلام.

5- استشعر في أوتار العشر أجواء  يوم النشر، من التزاحم لكن برفق وتراحم ، في ليلة سلام ووئام تضيق فيها الأرض بالملائكة الذين يعمرونها ويغمرونها_وفي مقدمتهم جبريل عليه السلام _ هابطين جميعا من كل سماء ، حتى من شجرة سدرة المنتهى، ، لمهمة تخص المؤمنين وحدهم ؛ وهي التسليم عليهم ومصافحتهم، والتأمين على دعائهم ، ولعلك تكون ممن دعا بدعاء أمنت عليه جموع الملائكة

{ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}

6- التمس فيها من المليك المقتدر؛ كتابة أقدارك على ما يصلح أحوالك ويرفع مقدارك، ففيها يفصل الله الفضل ويفرق ما يكون من أمر السنة من الأرزاق والآجال والأعمال على مقتضى الحكمة والخير.. (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) [سورةالدخان]

 وهي أقدار تكتب على مقتضى صفات رب (سميع، عليم، رحيم) يسمع دعاءك ويرى مكانك، ويعلم أمورك فيرحمك ويرفق بحالك.. (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)

7- ضاعف اجتهادك في كل ليالي العشر، فقد تختلف التقديرات الفلكية،  أو الرؤى البشرية، أو يكتمل الشهر أو ينقص، فتصبح الليالي الزوجية وترية، والوترية زوجية، فإن أدركت ليلة القدر في إحداها فغاية المنى،  واجتهادك في ليال قبلها أو بعدها لن تعدم مضاعفة ثوابها وأجورها، لذلك تعين الاجتهاد في أشفاعها وأوتارها. كما قال النبي : ( التَمِسُوها في العَشْرِ الأَوَاخِرِ من رَمَضَانَ ) رواه مسلم/1167

8- لا تضيع أيضا نهار العشر الأواخر، فقد قال الشعبي: «ليلها كنهارها» وقال الشافعي «استحب أن يكون اجتهاده في نهارها؛ مثل اجتهاده في ليلها» [وظائف رمضان/69]، ولذلك كان النبي يعتكف العشر الأواخر حتى لا يفوته التفرغ للعبادة ليلا ولا نهارا.

9- احتسب عند ربك في ذكرك ودعائك وتلاوتك وقيامك  مغفرة  ماسلف منك، فليلة القدر ليست فقط لرفع الدرجات، بل لمحو الذنوب والسيئات وجبر ما فات،  ( مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه

10-  لا تنس أن لتلك الليلة دعاء خاصا مستجابا، يختصر أسمى رجاء.. من رب الأرض والسماء، وهو ماعلمه نبينا لأمنا عائشة -رضي الله عنها- عندما سألت: يا رسول الله: إذا شهدت ليلة القدر ماذا أقول فيها؟ قال: قولي (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) [صحيح ابن ماجة/٣١٠٥] ..

 فاللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، وعافنا في ديننا ودنيانا وآخرتنا.

من عامر عبد المنعم

كاتب صحفي مصري