لا يعتقد علي نطاق واسع أن علاقات القاهرة مع عدد من العواصم الخليجية تقترب من العودة إلي مرحلة الدفء مجددا في ظل احجام هذه العواصم – حتي الآن علي الأقل -عن التدخل لإنفاذ حزمة إنقاذ للاقتصاد المصري تتجاوز ١٠مليارات كما تعهدت هذه العواصم لصندوق النقد الدولي عندما إبرم قرضا للحكومة المصرية تجاوز ٣مليارات دولار خلال الأشهر الأخيرة

‏قد ربطت تقارير دولية بين أحجام دول الخليج عن تقديم هذه الحزمة  بين تلكؤ الحكومة المصرية في تنفيذ إصلاحات هيكلية تتعلق بسعر صرف مرن للجنيه المصري أمام العملة الأمريكية الخضراء وكذلك إزالة العقبات أمام الاستثمارات الأجنبية وهو ما اعتبره مراقبون علي علاقة وثيقة بتقليص الإمبراطورية الاقتصادية للجيش المصري  وهو أمر تتحفظ عليه القاهرة بشدة باعتباره يضر بأمن واستقرار  النظام المصري القائم بشكل رئيسي علي ضمان دعم المؤسسة العسكرية له منذ وصوله للسلطة عام 2013.

خلافات مصرية خليجية 

‏وترفض دول الخليج حتي الان شراء أصول مؤسسات مصرية لحين استقرار سعر صرف الجنيه  المصري عند وضعه الحقيقي بشكل يمكنه من شراء هذه الأصول وبأسعارها الحقيقية في ظل ما يتردد عن قيام الحكومة المصرية بتعويم جديد للجنيه في ظل أزمتها الاقتصادية الخانقة وحاجتها الماسة إلي الدولار لشراء الاحتياجات الأساسية للمصريين وضمان خروج بضائع رابضة في الموانئ المصرية بمليارات الدولارات  في ظل العجز عن تأمين هذه الاحتياجات بالدولار الأمريكي

‏وإذا كانت العلاقات المصرية الخليجية لا تسير علي منوال واحد فإن الملمح الأبرز لها أنها ليست في افضل حالاتها فالعلاقات بين القاهرة و الرياض لا تبدو في حالة جيدة بل تكاد أن تكون في أسوأ أحوالها بفعل الخلافات علي ملفات عديدة منها عدم نقل السيادة علي جزيرتي “تيران وصنافير” للسعودية ومحاولات القاهرة ابتزاز الرياض ودفعها إلي  تقديم مليارات من الدولارات لتسريع نقل السيادة علي الجزرللسعودية  وهو ما ترفضه الرياض جملة وتفصيلا.

السيسي وبن سلمان

‏: وتستمر الخلافات بين الطرفين حول ملفات عديدة منها قيام الجيش المصري بدور حقيقي في الدفاع  عن أمن دول الخليج  حال اندلاع صراع عسكري بين إيران من جانب وكل من أمريكا وأيران علي خليفة تنامي قدرات المشروع النووي الإيراني حيث تتذرع القاهرة بأن الدستور المصري يمنع خروج الجيش في مهام خارجية وهو حجة ترفضها السعودية جملة وتفصيلا وتعتبرها ابتزازا من جانب القاهرة للحصول علي دعم مالي سخي  

‏وتستمر الخلافات بين مصر والمملكة العربية السعودية  حول الهيمنة علي منتدي البحر الاحمر الذي دشنته الرياض بدعم فاعل من مصري  لاسيما فيما يتعلق بأمانته العامة  ومقرها حيث أخفق البلدان في تسوية الخلاف حوله حتي الان.

‏ ولا يختلف الأمر فيما يتعلق بالعلاقات المصرية الكويتية في ظل وجود حال من الرفض داخل إلي البرلمان الكويتي لتقديم معونات كبيرة القاهرة لا تستخدم في تحسين أوضاع ملايين المصريين بل تصب في صالح دائرة ضيقة من المتنفذين المحيطين بدوائر صنع القرار وهو أمر يقف وراءه نواب التيار الإسلامي بشكل حدا بالحكومة الكويتية لتقييد  معونتها لمصر والتمسك بضرورة شراء أصول في شركات مصرية.

برود العلاقات المصرية الخليجية

‏: الأمر ذاته يتكرر فيما يتعلق بالعلاقات بين مصر وقطر فرغم الزيارات المتبادلة بين السيسي  وامير قطر تميم بن حمد الا أن الدعم القطري لم يكن وفق المأمول بل إن السياسة القطرية تتعامل مع النظام القائم في مصر بحالة من البرود وعدم تقديم معونات قيمة  والتمسك  بشروط معقدة للاستثمار في مصر بشكل يؤكد أن صيغة وقف الحملات الإعلامية وتبني قطر موقفا محايدا في الخلاف بين النظام والمعارضة الإسلامية يبدو صيغة مقبولة للقاهرة حتي الآن علي الأقل.

‏اما الاستثناء الواضح في العلاقات المصرية الخليجية فيبدو واضحا علي الصعيد الاماراتي حيث استمرت الزيارات المتبادلة بين بن زايد والسيسي كان اخرها مشاركة رأس النظام المصري في قمة الحكومات التي راعته  ابوظبي في تأكيد علي استمرار نوع من الدفء في علاقات البلدين رغم وجود توتر في بعض الملفات شاب علاقات البلدين لاسيما فيما يتعلق بملف سد النهضة ودعم الامارات لنظام ابي احمد وعدم توظيف هذا الدعم لدفع اثيوبيا للتوقيع علي اتفاق قانوني ملزم حول السد يضاف إلي ذلك  توقف الامارات عن تقديم معونات مباشرة لمصر واستبداله كذلك بشراء أصول في شركات مصرية ناجحة.

محادثات النووي الإيراني

التوتر الذي يحكم العلاقات المصرية الخليجية يبدو مرشحا للاستمرار لفترة حتي ولو كانت قصيرة سواء لأسباب اقتصادية حيث تترقب العواصم الخليجية استقرار سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الامريكي لشراء أصول مصرية بقيمتها الحقيقية او لأسباب واستراتيجية تتعلق باحتمال اندلاع صراع عسكري بين ايران من وكل من الولايات المتحدة وإسرائيل من جانب اخر وهو تطور حال حدوثه سيضمن ضخ الدماء في هذه العلاقات في ظل محورية دور الجيش المصري في حماية هذه من انتقام نظام “الملالي” حال استهداف برنامجه النووي. “.

 

 

من د. أنور الخضري

مدير مركز الجزيرة للدراسات العربية بصنعاء - اليمن