تشهد القارة الأفريقية هرولة لبعض الأنظمة نحو تطبيع العلاقات معها، ما يطرح تساؤلات عن سر هذا الحراك وأبعاده، لاسيما بعد الزيارة المفاجئة للرئيس التشادي محمد ديبي للكيان الصهيوني مطلع فبراير الجاري، والذي أُتبع بإعلان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو نية الخرطوم التطبيع مع حكومته.

ويرى الباحث في مركز «يبوس» للاستشارات والدراسات الاستراتيجية (مقره رام الله)، سليمان بشارات، أن هناك ثلاث منطلقات للتعرف على طبيعة هذا الحراك وانعكاساته، المنطلق الأول هو منطلق جيوسياسي، وهذا يعني بمفهوم الدول محاولة إيجاد نقاط ارتكاز لها في مناطق سياسية وجغرافية متعددة، يمكن أن تشكل لها ثقلاً، أو يمكن أن تعزز من حضورها، أو يمكن أن تكون منفذ لها للوصول إلى أهداف مستقبلية.

مشيرا في حديثه لـ«قدس برس» أن الكيان الصهيوني من الدول الطامحة والطامعة لتكون صاحبة نفوذ سياسي أمني عسكري في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي موضوع الذهاب إلى تشاد أو السودان أو إلى أي دولة هو ربما يشكل أحد هذه المرتكزات.

أما المنطلق الثاني، وفقا لبشارات، هو البعد التنافسي بين القوى العظمى في العالم، حيث تشهد أفريقيا، حالة من الصراع الخفي، بين مجموعة من الأقطاب السياسية العالمية، الصين، الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، فرنسا،

وبالتالي الوجود الصهيوني في منطقة أفريقيا هو ضمن هذه المعادلات، لأن الدول الأفريقية هي من الدول التي تتمتع بمقدّرات كبيرة جداً، خاصة على مستوى المعادن والذهب.

ويرى البشارات، أن المنطلق الثالث في علاقة الكيان الصهيوني مع أفريقيا، فهو الحاجة المستمرة لتوفير أسواق لمنتجاتها التي تقوم أساسا على منتجين رئيسين:

المنتج الأمني، الذي يتعلق بتجارة السلاح والتصنيع العسكري، والمنتج الزراعي، فالكيان الصهيوني هو من الدول المتقدمة جداً في تصدير الصناعات الزراعية، وأفريقيا هي من الدول التي تحتاج إلى مثل هذه الواردات. بحسب تقدير الباحث الفلسطيني.

ونوه بشارات إلى ما وصفه بـ«حالة التهميش العربي والإسلامي لمنطقة أفريقيا»، وهذا الأمر كان واضحاً جداً، فمثلاً مصر خسرت السودان، وخسرت أيضا تشاد، وخسرت أثيوبيا في موضوع سد النهضة.

بدوره يرى الخبير في الشأن الأفريقي، أسامة الأشقر، أن كل حالة من حالات التطبيع لها سياقها واختصاصاتها، فليس بالضرورة أن يكون المشهد واحداً، فالذي دفع بدول مثل الإمارات أو البحرين للتطبيع مع هذا الكيان، غير السياق الذي أدى إلى دول أخرى مثل المغرب أو تشاد أو السودان للقيام بهذا الفعل.

وأوضح الأشقر في حديثه لـ«قدس برس»، أن تطبيع الدول الخليجية له سياق اقتصادي بالدرجة الأولى، ثم يتبعه سياسي، أما في دول مثل السودان وتشاد وبعض الدول الأفريقية الأخرى، فسياقه سياسي بحت، لأنه لا مجال لاستثمار هذه العلاقة اقتصادياً، لأن هذه الدول تعاني من أزمة اقتصادية كبيرة جداً، ولا يمكن تحسين العلاقة معها أو تطوير أي منظومة اقتصادية، مشيرا إلى فشل تجارب عديدة للكيان الصهيوني في الدول الإفريقية كإريتريا وجنوب السودان.

هامشية التواجد الفلسطيني في أفريقيا

واعتبر الأشقر أن التمثيل الفلسطيني في أفريقيا، هامشي جدا وضعيف وغير مؤثر، وهو وجود استعراضي مقارنة بالتمثيل الصهيوني، ولا يوجد أي استثمار إلا في بعض الدول التي ينشط فيها بعض السفراء، أما المجموعات الفلسطينية الأخرى فلها وجود لكنه مازال وجوداً بطابع شعبي تعبوي غير سياسي أو أمني أو اقتصادي.

 وأشار إلى أن المجموعات الفلسطينية الموجودة هناك هي مجموعات جاليات صغيرة لا تحمل مشروعاً سياسياً في معظمها وبالتالي الوجود الفلسطيني مازال ضعيفا جداً في القارة الأفريقية.

ولفت الأشقر أنه بالرغم من التفوق الصهيوني في الميدان الأفريقي.. إلا أنه وجود ضعيف للغاية، ويتعرض لمشكلات كبيرة، خاصة أن معظم الدول الأفريقية تدرك أن العلاقة مع الكيان الإسرائيلي فيها أثمان عالية،

ينبغي أن تدفعها، وبالتالي هم يعزفون عن مثل هذه العلاقة ولا يريدون تطويرها حتى لا يتورطوا مع أعداء هذا الكيان في القارة الأفريقية، على حد تقديره.