سألني فضيلته عن رأيي في كتّاب السِّيَر الأوّلين كابن هشام وابن إسحاق والواقدي وسيف بن عمر..

وقال: إنه عاكف على كتابة السيرة النبوية منذ أعوام طويلة، وإنه قد راجع كل المصادر القديمة والحديثة في السيرة النبوية.. وقال: فبما تنصحني؟ أو نحو ذلك.

والذي يراه المسكين الفقير إلى الله هو ما يراه أهل العلم، لا سيما من لهم اعتناء بالسنّة وعلوم الحديث، وخلاصته ما يلي:

١- رواية أهل السير كلهم (ابن إسحاق، ابن هشام، الواقدي، سيف بن عمر) مثلها مثل رواية الضعفاء؛ فينظر فيها وتُقدر بقدرها.

٢- أهل السِّير ليسوا سواءً.. فبعضهم أفضل من بعض؛ فابن إسحاق أحسن حالا من الواقدي وسيف بن عمر. 

٣- آفة الواقدي

-ويشاركه فيها ابن إسحاق أحيانا- أنه يؤلف من الأحاديث المختلفة في درجات الثبوت قصة واحدة طويلة متصلة!

فلا تردّ هذه القصة كلها ولا تقبل كلها.. فلابد من فكّ هذه القصة الطويلة تقطيعها إلى أجزاء وترد إلى أحاديثها التي جمعها منها، وينظر فيها.

٤- إذا انفرد الواقدي بشيء فيقدر بقدره ويُنظر فيه. فذكر الحدث عنده ليس قطعا به.. إنما ينظر فيه ويدرس من ناحية السّند.

٥- الروايات ليست واحدة كلها؛

فروايات الفتن ليست كروايات التفسير، وروايات المناقب والمثالب ليست كروايات الأحكام، وروايات الأحكام ليست كروايات المناسك.. وهكذا..

وروايات البعض في بعض الروايات مقَدَّمَة على روايات البعض الآخر لأسباب مختلفة؛ فمثلا روايات عطاء في المناسك مقدمة على غيره لأنه من أهل مكة وأدرى بالمناسك من غيره.. 

٦- كل باب من أبواب العلم له رجاله،

وباب السّير يحتاج لدراسة علم الرواية وعلوم الحديث، وعلم الرواية وعلوم الحديث من الأمور التي تحتاج تأنّي ونظر..

٧- نصيحة عامة لمن يتصدّى للكتابة في السيرة أن يختصر ويجمع الأصول المتفق عليها ولا يسرف في التفاصيل..

ولذلك كان مالك رحمه الله يقدّم سير الزهري لاختصارها؛ فسيرة الزهري ورقات قليلة ذكر فيها ما اجتمع الناس عليه.

من د. عطية عدلان

مفكر وأكاديمي مصري، مدير مركز «محكمات» للبحوث والدراسات – اسطنبول