بعد الفيتو الدولي علي خيار تقسيم ليبيا الي دولتين  واحدة في المنطقة الشرقية والجنوب الذي تسيطر عليها قوات حفتر  بضوء اخضر مصري واخري  في الغرب وتراجع حفتر عن اعلان الانفصال في مؤتمره الاخير وبل ورفضه لجميع دعوات التقييم وتأكيده علي ان وحدة ليبيا خط احمر عاد صوت الدبلوماسية يعلو مجددا لتسوية الأزمة الليبية التي دخلت عامها الحادي عشر منذ سقوط نظام القذافي .

‏صوت الدبلوماسية جاء هذه المرة من القاهرة التي تتميز سياساته تجاه ليبيا بالتخبط والارتباك والكيد لكل من ليبيا وحلفائها الأتراك فبعد فشل دعمها انفصال حفتر بالمنطقة الشرقية والجنوبية ومواجهة هذا الخيار لرفض دولي واضح عادت القاهرة لتراهن علي الدبلوماسية مجددا لعلها تفلح فيما فشلت في تحقيقه الة الحرب خلال  السنوات الماضية.

القاهرة والفرقاء الليبيين

وفي هذا السياق وجهت الدعوة لكل من رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري للتوصل إلي قاعدة دستورية تجري بموجبها الانتخابات البرلمانية والرئاسية الذي كان مقررا عقدها في ديسمبر ٢٠٢١ حيث سعت القاهرة لتقريب وجهات النظر وإزالة العقبات أمام اجراء الانتخابات الليبية وهو خيار يحظى بدعم من القوي الكبرى والامم المتحدة.

‏ورغم الطابع الفضفاض للقاعدة الدستورية التي توصل اليها المشري وعقيلة في القاهرة وقبلها فان هذه القاعدة التي تزيل اي عقبات أمام ترشيح قائد مليشيا الكرامة خليفة حفتر  للترشح للرئاسة وكذلك حق كل من يحملون جنسية أجنبية في الترشح فأن من المهم التأكيدعلي  ان إخراج هذه القاعدة علي هذا النحو لا بكتب نهاية للأزمة الليبية بل انها تثير تساؤلات اكثر مما تقدم اجابات تساعد علي إنهاء الأزمة .

المنفي وقائد ميليشيا الكرامة خلفة حفتر

‏القاهرة من جانبها لم تكتف  باستقبال المشري وصالح  بل وجهت الدعوة كذلك لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي واحتضنت لقاء للأخير مع الجنرال المتقاعد خليفة حفتر للبحث عن صيغة توافقية لإجراء الانتخابات في مسعي من القاهرة لتأكيد مركزية دورها في الملف الليبي وأنها العاصمة الاقليمية الوحيدة القادرة علي جمع الفرقاء الليبيين البحث عن تسوية للازمة التي طال امدها

‏رغبة القاهرة في تأكيد مركزية دورها في الملف الليبي عبر نجاحها في جمع الفرقاء لم تكن الرسالة الوحيدة التي تريد القاهرة توصيلها لقوي دولية وإقليمية وفي القلب منها تركيا في ظل الصراع المستمر بين الطرفين في المشهد الليبي وإخفاق القاهرة في الحد من النفوذ التركي الذي يشهد تناميا ملحوظا باعتباره من الرهانات المهمة لحكومة الدبيبة التي تتخذ منها القاهرة موقفا معاديا ولا تكف عن وصفها بالمفتقدة للشرعية رغم انها الحكومة الوحيدة التي تحظي باعتراف دولي وإقليمي حيث تسعي القاهرة للوصول لكلمة وسط بين الفرقاء تكرس عزلة حكومة الدبيبة وتمهد الأجواء للإطاحة بها.

ليبيا ومحاولة لتكريس مركزية الدور المصري

بل أن القاهرة وفي ظل الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعاني والإخفاقات في ملفات عديدة وفي مقدمتها سد النهضة وتراجع الدور المصري فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية تريد توجيه رسالة للداخل المصري بأنها مازالت صاحبة تأثير في ملفات إقليمية شديدة الأهمية مثل الملف الليبي عبر ترسيم الحدود من جانب واحد من طرف والقدرة علي جمع الفرقاء الليبيين رغم ان كثيرا من المراقبين أنها محاولات محدودة التأثير ولن تحمل جديدة في المشهد الليبي .

‏مساعي القاهرة لتأكيد مركزية دورها في المشهد الليبي تصطدم  كذلك برفض عارم من القوي المحسوبة علي ثورة السابع عشر من فبراير في ليبيا حيث تجمع هذه القوي علي ان القاهرة لا تريد استقرارا في ليبيا وتقف وراء جميع الاحداث الدامية التي شهدتها ليبيا منذ  الاطاحة والقذافي بل ووقفت بقوة وراء محاولات حفتر وحلفائه الوصول لطرابلس علي وقع جثث الليبيين والمقابر الجماعية في عديد من المدن الليبية وعلي رأسها ترهونة ناهيك عن المأساة التي ضربت أحد الكليات العسكرية في مصراته .

المشري وعقيلة صالح والدبيبة

بل ان العديد من رموز المنطقة الغربية اتهموا القاهرة صراحة بالوقوف وراء مخطط تقسيم ليبيا وأنه لولا الفيتو الدولي علي تقسيم البلاد لإعلن حفتر منذ اسبوعين تقريبا انفصال المنطقتين الشرقية والجنوبية وغدا تقسيم ليبيا السيناريو   الوحيد وهو خيار يحقق حلم حكام مصر في السيطرة علي خيرات ليبيا وفي مقدمتها نفط المنطقة الشرقية وهي أجواء تشير لوجود حالة من الرفض بين قطاعات واسعة من الشعب الليبي  لهذا الدور حيث يرفضون  هيمنة النظام المصري علي المشهد الليبي وهو أمر قد يجر المواجهات قد تطيل احمد الأزمة الليبية.

‏المأزق التي تعانيه السياسة المصرية تجاه وسيطرة ما يشبه العقدة التركية في تعامل القاهرة مع التطورات في ليبيا فصلا عن وجود تضارب في المصالح الدولية تجاه ليبيا بالإضافة لصعوبة ايجاد حل وسط يزيل الفجوة بين الفرقاء الليبيين يشير إلي  ان الازمة تتجه لمزيد من التصعيد وهو ما ظهر بقوة في تهديدات حفتر بان الانتخابات تبدو الفرصة الأخيرة لتسوية الأزمة الليبية سياسيا وهو لن يقابل الا بمزيد من الاستعداد من جانب الدبيبة المناهضين لحفتر بشكل يؤكد ان الازمة  مازالت حبلي والمشكلات وان آفاق التسوية السياسية لم تقترب بوادرها بعد.

 

 

 

 

 

 

 

من د. أنور الخضري

مدير مركز الجزيرة للدراسات العربية بصنعاء - اليمن