«إنترنت الأشياء» هو الجيلُ الجديدُ من الإنترنت، الذي يجعل الأشياء قابلة للاتصال بالشبكة العنكبوتية لإرسال واستقبال بيانات،

والتحكم فيها عن بعد لأداء وظائف بعينها من خلال أدوات الذكاء الاصطناعي.

وهذا يعنى: التحرر من المكان، أي باستطاعة الإنسان أن يدير الأشياء دون التواجد في مكان بعينه.

و«الأشياء» تعنى:

كل شيء تتعرف عليه الإنترنت، من خلال بروتوكولات الشبكة المعروفة؛

مثل: السيارة، التليفزيون، الثلاجة، أجهزة الإنذار

وحتى السلع والخدمات التجارية، وأطواق الحيوانات في المزارع والبحار والمحميات وغيرها.

أما تطبيقاتها فشملت كل شيء تقريبًا، وغدت عالمًا متغيرًا بوتيرة مذهلة، لديه القدرة على دمج الأشياء اليومية في هذا العالم الفسيح؛

فمع حلول عام 2020 تفوقت هذه السوق على سوق الهواتف والأجهزة اللوحية مجتمعيْن؛

فأجهزتها حول العالم بلغت (35) مليار جهاز، بحجم تجارة وصل إلى (600) مليار دولار، وتضاعف عددُ شركاتها عشر مرات في خمس سنوات.

بإمكان الشخص الآن تشغيل محرك سيارته أو مراقبتها أو التعرف على أعطالها وهو في بيته أو عمله بعيدًا عنها،

وبإمْكانه متابعة أفراد أسرته بكل التفاصيل الدقيقة ولو كانوا في أماكن مختلفة بل قارات متفرقة،

وبإمكانه معرفة محتويات ثلاجة بيته وهو في عمله أو في سوقه،

والأهم أنه صار أكثر اطمئنانًا لأمن وحماية منزله من السرقة والحرق والهدم والغرق إلخ.

وقسْ على ذلك استخداماتها

مثلًا، في مجال التصنيع وتعطل الآلات وسلامة العمال،

وفى مجال الأجهزة الطبية وطرق مراقبة حالات المرضى الصحية على مدار الساعة،

وفى مجال البحث العلمي وإتاحة عمل المكتبات الإلكترونية الهائلة، وكذلك الأمر في مجال التعليم بدرجاته خصوصًا تعلُّم اللغات ومحو الأمية.

لقد وفّرت هذه الثورة الاتصالية جهود وكلفة قدرات بشرية هائلة، فلم يعد الإنسان هو السيد أو المتحكم في إدارة الحياة، بل صار أداة وسيطة لاتصال الأجهزة ومشاركتها؛

فهي لذلك عملية زهيدة التكاليف مقارنة بمخرجاتها التي سوف تحسِّن جودة الحياة وتنقل البشرية إلى عصر جديد من الرفاه؛ وإن كان لذلك ضريبة سيدفعها مليارات من المتعطلين عن العمل.

أين نحن من هذه الثورة التي يتجه إليها العالم الآن وبقوة؟ الواقع يؤكد أننا دخلنا هذا العالم الجديد ولكن –كعادتنا- على استحياء وببطء واضحيْن، وهذا خطأ كبير،

فإن التطورات هنا تقفز ولا تمشى الهوينا، والنجاحات تحْرَز بشكل مركّب، والكيِّسُ من يلحق بهذا الركب الصاروخي قبل انطلاقه إلى محطات أبعد قد يكلفنا الوصول إليها الكثير والكثير.

لا بد من مشاركة الحكومات أولًا وبجهد أكبر؛

لما تمثله من جهة أساس لجمع وصيانة المعلومات وتبادلها،

ولما يعود بالنفع على مواطنيها جرّاء مسابقة الأمم الأخرى وعدم الجهل بلغة العصر التي غالبًا سوف تَصْدُرُ لأجلها قوانين ولوائح أممية،

وسوف تفعَّل روابط وعلاقات لا تقلُّ أهمية وتأثيرًا عن روابط السياسة والتجارة الدوليتين.

لقد استوعبتْ بعضُ الحكومات درس جائحة كورونا،

فأحسنت الاستعداد لهذه الثورة وانتهت من بنيتها التحتية ولم تنس تلك الأيام التي أغلقت فيها الموانئ والمطارات والطرق البرية،

ومنع التنقل حول العالم، وتعرّضت دول كثيرة لشبح المجاعة والعزلة.

من ثم لم يعد اللحاقُ بركب عصر «إنترنت الأشياء» ترفًا أو اختيارًا، بل مساقًا حضاريًّا ملزمًا وقد أضحى العالم قرية واحدة مترابطًا عن أي وقت مضى.

هناك تغيرات اقتصادية مستقبلية غير تقليدية سوف تقع، سيربح فيها المجيدون لتلك اللغة،

أما الخاسرون فهم من استهانوا بقوة وتأثير القادم الجديد، أو انشغلوا بمصالح سياسية شخصية تافهة بعيدًا عن مصالح أوطانهم.

من الهيثم زعفان

رئيس مركز الاستقامة للدراسات الاستراتيجية