1- عندما تكون في الخلاء المفتوح والصحارِي الممتدّة والسلاسل المتشابهة الطويلة حيث لا دروب معبّدة، ولا إشارات دالّة، ولا معالمَ واضحة فإنّك مهدّد بالضياع إذ تفقد الشعور بالجهة، ولا تعرف سبيلاً للوصول إلى المحلّ المقصود.

2- وإذا كنتَ في هذا الوضع فإنك بالتأكيد لن تراعي القوانين أو تلتزم بها، بل لا توجد قوانين أصلاً، فستكون سيارتك بلا أنوار أمامية أو خلفية، ولن تكترث لوجود لوحات عليها تحدد هوية صاحبها، كما أنّك لا تتوقع أيّ نجدة أو فزعة على الطريق لأنك لا تعرف كيف توصلها إليك، فأنت بغير عنوان!

3- كما أنّك ستكون حرّاً في اتخاذ قرارك في أي مكان: تقف أو تسرع أو تدور أو تناور أو تعكس الطريق أو تعترضه، لأنك وحدك في حيرتك المنغمسة في خوف المجهول الذي يقترب منك؛ وحينذاك فهذا السلوك الذي يصفه الناس عادة بالمزاجيّ الأهوج المتقلّب لن تجد أحداً يصادق لك على وصفه بأنه مزاجيّ ابتداءً، إذ لا قواعد ولا سبيل .

4- وربما ستجد خطوطاً لمغامرين سبقوك إلى هذا الوضع ورسموا درباً أغْبَرَ لك، لكنك لا تعلم إن كانوا قد خرجوا إلى برّ آمن، أو أن الطريق أهلكتهم ودفنتهم في أحباسها المفتوحة، أو أنها ما تزال تدور بهم إلى الآن في وحلها.

5- ربما يَهُون الأمرُ عليك إن كنتَ وحدك، لكنك إذا كنتَ في جماعة أو شعب أو هيئة، ووضعوك سائقاً لهم أو قائداً في مثل هذا الوضع، فتخيّل نفسك وأنت تسوق الناس في هذا الخلاء المجنون!

6- تخيّل نفسك وأنت بلا برنامج ولا خطة ولا معلومات ولا معطيات، لا تملك إلا هدفاً محفوفاً بالأوهام والإشاعات، مشحوناً بالغضب والقلق والضجر والعنف، بينما ينفتح لك المدى على طرق كثيرة كلها غير مجرّبة ولا معلومة، وأنتَ صاحب القرار الأخير!

7- كثيرون منّا اليوم في هذا الخلاء المفتوح منذ دهر، وربما اعتدنا هذا الوحل القديم الذي لا قواعد في تشكيله، وما زلنا نتبع «قواعد» السواقة بالخلاء رغم أننا في قلب المدينة.

8- إذا كنتم لا تعرفون ما طرأ على معالم «البندر» فلا تسُوقوا الناس فيه أكثر، وراجِعوا ما تظنّون أنّكم تعرفونه بسؤالٍ يتجاوز الحاشية والبطانة، فما أسرعَ ما سيكتشف مَن تبقّى من الناجين أنهم مغشوشون أو جاهلون!

من عصام الدين سنان

مهتم بشؤن الأقليات المسلمة ومتخصص في الاعلام الخيري.