لا يبدو أن ليبيا علي مقربة من انفراجه قريبة علي الصعيدين السياسي والأمني في ظل عديد من العوامل  في مقدمتها ازدياد الصراع السياسي بين معسكري الغرب بقيادة محور المشري الدبيبة من جانب وبين محور عقيلة صالح وفتحي باشاغا من جانب آخر ومن وراءهما قائد ميليشيا الكرامة خليفة حفتر  في ظل تمسك كل فريق بموقفه واعلائهما لمصالحهم السياسية والشخصية وتمسكهم بالمناسبات التي امنها لكليهما اتفاق الصخيرات والذي يعتبره قطاع من الليبيين ذا تداعيات كارثية علي امن واستقرار ليبيا.

‏ المصالح التي يتمسك بها كل طرف من أطراف النزاع تعتبر في رأي قطاع واسع من الليبيين  من أهم اسباب عدم قدرة ليبيا علي الخروج من النفق المظلم الذي تعاني منه البلاد منذ الاطاحة بحكم القذافي في ٢٠١١حيث سعي كل طرف لعرقلة اتمام الاستحقاق الانتخابي الذي اتفق عليه الفرقاء الليبيون في سويسرا حيث يري كل طرف ان هذه الانتخابات سواء أكانت الرئاسية  او برلمانية ستكتب نهاية وجود غالبيتهم في المشهد السياسي مع مكتسباتهم السياسية والمالية التي يؤمن لهم إصرارهم علي تجميد المشهد إبقاء ليبيا في الثلاجة .

ليبيا والأزمة والانتخابات

‏ولعل الدرس الاهم للجولة الاخيرة داخل العاصمة طرابلس  انها قدمت دليلا علي فشل الرهان علي الحل العسكري لتسوية الأزمة الليبية بل قدمت تأكيدا كذلك علي فشل  الرهان علي الانقلابات العسكرية كوسيلة للوصول للسلطة وبل كرست يقينا بأن الانتخابات القادمة وأيا كان موعد عقدها من السبل المهمة لتحديد هوية من يحكم ليبيا

بل أنها قدمت تاكيدأ علي دور الفاعلين الاقليميين فحملة باشاغا ظهر فيها التأثير المصري بشكل واضح رغم أن القاهرة لا تكف عن التأكيد علي اعترافها لحكومة الوحدة الوطنية لقيادة عبدالحميد الدبيبة المعترف بها دوليا  وعن رفضها التدخل في شئونن ليبيا رغم أن قطاعا مهما من الليبيين يرون بصمات القاهرة واضحة جدا في عرقلة التوصل لحل سياسي لا يخدم مصالهحا بل أنهم لا يخجلون من ترديد ان مصر قوة محتلة للشرق الليبي بالكامل وصولا إلي سرت

ويري قطاع مهم كذلك أن عرقلة القاهرة للتسوية السياسية في ليبيا مرتبطة برغبتها في إغلاق الأبواب أمام الإسلام السياسي للعب دور في تحديد مستقبل ليبيا بل ان القاهرة كان لها الدور الفاعل في هندسة التحالف بين عقيلة صالح و حفتر وباشاغا وفض أواصر التحالف في المعسكر الغربي وتفتيته لفسطاطين.

مصر ليبيا

الفسطاط الأول  بقيادة الدبيبة والمشري ومعهم قيادة الأركان وهو الداعم  للتوصل لقاعدة دستورية تجري عليها الانتخابات بل وتأكيده علي ان لن يسلم السلطة الا لحكومة منتخبة والثاني يقوده باشاغا واللواء اسامة الجويلي وهيثم التاجوري ومن خلفها محمد صوان القيادي الإخواني البارز في ليبيا وهو انقسام سعت القاهرة لتكريس ولتفتيت معسكر الغرب الداعم بقوة لأهداف ثورة فبراير والرافض بقوة لرغبة القاهرة في تنصيب حفتر ولو بالسلاح رجلا قويا علي سد السلطة في لييبا.

من الدروس المهمة خلال المعركة الاخيرة بين الفرقاء الليبيين أنها اكدت حالة العجز كذلك والتشرذم الذي غدا مسيطرا علي جبهة الشرق فقد كان الكثيرون يعتقدون بقوة التحالف بين باشاغا و حفتر وان هناك تنسيقا بين باشاغا و حفتر فيما يتعلق بالحملة علي طرابلس حيث لزم معسكر الشرق الصمت تحسبا لإمكانية نجاح حملة باشاغا علي طرابلس وفرض سطوة حكومته علي العاصمة .

مصر وتفتيت أوصال الجبهة الغربية

ولكن الامر ظهر علي خلاف ذلك خصوصا بعد الفشل الذريع لقوات باشاغا وصمود جبهة الدبيبة والغرب الليبي  بشكل دفع الجنرال المسيطر علي الشرق للتنصل  من حملة باشاغا علي العاصمة بل أنه سدد ضربة قاتلة للحكومة المكلفة من برلمان عقيلة بانه لن يدين بالولاء الا لحكومة منتخبة من الشعب وهو ما خلف قناعتين مفادهما هشاشة التحالف بين حفتر وباشاغا وان الجنرال لن يراهن سوي علي نفسه لحكم ليبيا وهو امر قد يعيد باشاغا لصوابه وبل ويدافع لمراجعة

‏ لمراجعة حساباتها في المستقبل واعادة هندسة تحالفاته وان كان الامر لا يبدو صعبا باي حال من الاحوال.

‏هذا السياق شديد التعقيد مرشح الاستقرار لفترة ليست  بالقصيرة في ظل استمرار الخلافات بين الفرقاء الليبيين وتمسك كل طرف بمصالحه الضيقة وعدم ايلائهم  لمصالح الوطنية العليا  ادني اهتمام وغياب دور قوي للشعب الليبي  وقادر علي تغيير المعادلة السياسية الجارية منذ عشرات سنوات ناهيك عن التد خلات الإقليمية والدولية وهي كلها تطورات تؤكد أن الازمة الليبية مرشحة للاستمرار حتي اشعار  آخر.

 

 

من د. أنور الخضري

مدير مركز الجزيرة للدراسات العربية بصنعاء - اليمن