حدثني يوماً أحد أفاضل قيادات الإخوان بالمنصورة -رحمه الله- عن التكفيريين والغلاة، وفوجئت بإدراج الشيخ الكبير عبد المجيد الشاذلي لما أسماه هو بالقطبيين ضمن تلك الفئة، بل نسبهم لجماعة شكري مصطفى!

حاولت إفهام هذا الأخ -العزيز جداً على قلبي في الحقيقة- الفرق بين من ينعتون أمنياً بـ«القطبيين»؛ وبين الغلاة والتكفيريين، وأن هذا الوسم جائر في حقهم، علماً أن هؤلاء الإخوة يرتضون لأنفسهم وسم «أهل السنة والجماعة» ويلزمون أصولها في العقيدة وفي باب الأسماء والأحكام وأصولها الفقهية إلى غير ذلك.

حيث انفصلت مجموعة تلاميذ الأستاذ المفسر سيد قطب عن جماعة الإخوان فعلياً وبقيادة أخيه محمد قطب؛ بسبب توقيعات الاعتذار لنظام عبد الناصر، ورفضهم القبول بها، بل ومعاداة فريق من الإخوان للأستاذ الشهيد، حتى حكى لي من حضر، أن بعضهم حاول قذقه بالقمامة من بعض الزنازين، وسبه بعضهم واتهموه وشنعوا عليه، حتى اضطر الأستاذ المرشد الهضيبي رحمه الله إلى التدخل والدفاع عنه.

وكان من بين المجموعة التي نعتت بعد ذلك بالقطبيين الدكتور المفكر الفقيه الأصولي العلامة عبد المجيد الشاذلي،

وظل يعتبر أبرز هذه المجموعة وقائدها حتى وفاته؛ رغم أنه لم يكن أكبرهم سناً.

وكنت قد قرأت لفضيلته عدة كتب ينَظِر فيها الشيخ للعقيدة من منطلق أصولي عميق ورصين ومتقن،

وكانت لي صحبة لعدد كبير من تلامذته الكرام، بل وأخوة عميقة معهم،

وأشهد الله أنني لم أر أخلص منهم لهذه الأمة وأكثر ولاءً لها وأشد تمسكاً بكتاب الله وسنة رسوله،

ولم أتشرف بلقائه والتعلم منه إلا بعد سنوات عديدة، فسلمت عليه في مؤتمر الإسكندرية لدعم ترشح الشيخ حازم أبو إسماعيل.

ثم زرته بعدها في منزله وفوجئت حين لقيته برجل مهيب متواضع للغاية، ولقيني فاعتنقني وهو يقول:

«أهلاً يا أخ خالد أنا نفسي أشوفك من زمان»،

فوالله لقد استحييت وانعقد لساني، حتى قلت: والله أنا شرف لي أن تعرفني أصلاً!

مدى جوهرية النسبية 

ثم سألته سؤالاً عن مدى جوهرية النسبية في كافة النظريات العلمانية، وانعكاسها على تنوع مدارسها بين ماركس ونيتشة ودوركاييم وكانط،

فأخذ الرجل يجيب مباشرة ودون تفكير، والعجيب أنني وجدت الرجل يذكر كل مدرسة بأصولها الفكرية وتنظيراتها وأبرز منظريها وكتبهم وأوجه الخلاف بينهم،

شيء لم أره في حياتي تقريباً ولم أسمعه حتى للدكتور المسيري أو غيره من الكبار،

ثم أهداني كتاباً للدكتور البهي في الموضوع.

وصرت على اتصال شبه دائم بفضيلته واستفتائه في كثير من القضايا والمسائل الفقهية؛ حتى ما كان لي فيه اطلاع جيد،

فلم أر أيسر من اختياراته الفقهية، مع قوة في الاستدلال، وعلم غزير وفهم لكلام العلماء واختلاف مذاهبهم وأصول كل مذهب وأوجه الخلاف والراجح بين الأقوال ونحو ذلك،

وحينئذ فهمت لماذا كانت عناصر سلفية برهامي تكتفي بالتحريض ضده وترويج الأكاذيب فقط؛

بينما لم يجروء أحد من رموزهم على مناظرته رغم طلبه لذلك مرات عديدة!

وحين أخبرته أنني أتعجب من سهولة منهجه ويسر مذهبه، وهو الذي ظلِم وإخوانَه وتلاميذَه  فقال لي: لم أقس على هذه الأمة يوماً!

وفي الحقيقة لا أعرف كيف يتبقى في قلب رجل تعرض لكل هذا البلاء من هذه الأمة أن يبقى فيه كل ذلك الحب والولاء والرأفة بأمته؛

إلا أن يكون هو ذلك الشاذلي الشريف المنسب فقد ورثوها كابراً عن كابر.

وأخيراً فمن المروءة أن أقول:

أن وشاية بعض القيادات الخائنة وتحريضها على الشيخ عبد المجيد وإخوانه فترة المجلس العسكري؛

بزعم أنهم تكفيريون وأنهم على علاقة ببعض الفئات الجهادية العالمية واستيراد أفرادها إلى مصر؛ هو مجرد انحطاط يستبطنه الجهل،

وليست المروءة في تفويت تلك الجرائم بدعوى أنهم لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم،

فالرجل نفسه قد توفي ولا يستطيع الدفاع عن نفسه، والله يدافع عن الذين آمنوا والمؤمنون.

من عبد الرحمن محمد جمال

مدرس بجامعة دارالعلوم زاهدان - إيران، مهتم بالأدب العربي وعلوم الحديث وقضايا الفكر والوعي الإسلامي.