يعقد البرلمان العراقي، اليوم السبت، جلسةً من المقرر أن ينتخب فيها رئيساً للجمهورية، في محاولة هي الثانية، وتأتي وسط تأزم سياسي متواصل منذ أشهر، لكن الدعوات إلى المقاطعة تهدد بإفشال العملية.

ويوجد أربعون مرشحاً لمنصب رئاسة الجمهورية، لكن المنافسة الفعلية تنحصر بين شخصيتين تمثلان أبرز حزبين كرديين: الرئيس الحالي منذ عام 2018 برهم صالح، مرشح حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وريبر أحمد، مرشح الحزب الديموقراطي الكردستاني. ويفترض أن يحصل المرشح على أصوات ثلثي النواب ليفوز.

ويحاول التحالف الثلاثي (التيار الصدري، الديمقراطي الكردستاني، التحالف السني) حشد أكبر عدد من الأصوات لعبور العتبة المطلوبة لافتتاح جلسة التصويت على الرئيس، وهي ثلثي أعضاء المجلس (220 نائباً).

وبلغة الأرقام لا يستطيع التحالف الثلاثي بمقاعده في البرلمان سوى توفير 141 نائباً فقط، وهو ما لا يؤهله لعقد الجلسة، الأمر الذي دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إلى توجيه دعوة للمستقلين الذين يبلغ عددهم 43 نائباً.

إضافة إلى دعوة الكتل السياسية الجديدة مثل “الجيل الجديد”، و”إشراقة كانون”، و”امتداد” والتي تشكل مجتمعة 24 نائباً، فضلاً عن 16 كتلة سياسية فائزة بمقعد واحد، إلى تأييد التحالف الثلاثي في مسعاه لتشكيل حكومة أغلبية والدخول إلى الجلسة وانتخاب رئيس الجمهورية.

غير أن ذلك لا يبدو سهلاً على الإطلاق، فالإطار التنسيقي الشيعي الذي يراقب الأحداث بحذر يسعى هو الآخر إلى كسب أصوات المستقلين للتمكن من تعطيل الجلسة، والحيلولة دون انعقادها، خاصة وأنه يملك 84 نائباً بمعية الاتحاد الوطني الكردستاني وكتلة المسيحيين، وفق وكالة “فرانس برس”.

وقدّم الإطار التنسيقي هو الآخر الدعوة للمستقلين لعدم تأييد التحالف الثلاثي، والالتحاق بما أسماه الثلث المعطل لمنع تمرير الرئيس.

وطرح الإطار شروطاً للتراجع عن مقاطعة الجلسة ليس أقلها التراجع عن حكومة الأغلبية الوطنية التي يتبناها الصدر، إضافة إلى ضمان وجوده في التشكيلة الحكومية المقبلة.

وبعد ستة أشهر من الانتخابات النيابية المبكرة في أكتوبر 2021، لا يزال العراق من دون رئيس جديد، وبالتالي من دون رئيس حكومة جديد يتولى السلطة التنفيذية.

وعلى رئيس الجمهورية أن يسمّي، خلال 15 يوماً من انتخابه، رئيسا للوزراء وعادة ما يكون مرشح التحالف الأكبر تحت قبة البرلمان. ولدى تسميته، تكون أمام رئيس الحكومة المكلّف مهلة شهر لتأليفها.

إلا أن هذا المسار السياسي غالباً ما يكون معقداً وطويلاً في العراق، بسبب الانقسامات الحادة والأزمات المتعددة، وتأثير مجموعات مسلحة نافذة.

ومنذ أول انتخابات متعددة شهدتها البلاد في 2005 ونظمت بعد الغزو الأميركي الذي أدى الى سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، يعود منصب رئيس الجمهورية تقليدياً إلى الأكراد، بينما يتولى الشيعة رئاسة الوزراء، والسنة مجلس النواب.

ويتولى الاتحاد الوطني الكردستاني تقليدياً منصب رئاسة الجمهورية، مقابل تولي الحزب الديموقراطي الكردستاني رئاسة إقليم كردستان، بموجب اتفاق بين الطرفين.

وفشلت المحاولة الأولى لانتخاب رئيس للجمهورية في 7 فبراير الماضي، لعدم اكتمال نصاب الثلثين (أكثر من 220 نائباً من 329) بسبب مقاطعة الإطار التنسيقي الذي يمثّل أحزاباً شيعية بارزة، مثل كتلة دولة القانون التي يرأسها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وتحالف الفتح، المظلّة التي تنضوي تحتها فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران.

وبعد فشل الجلسة الأولى، ثمّ تعليق المحكمة الاتحادية ترشيح وزير الخارجية السابق هوشيار زيباري، المنتمي إلى الحزب الديموقراطي الكردستاني للرئاسة، أعيد فتح باب الترشيح للمنصب مرةً ثانية.

وتوجد مخاوف من تكرار سيناريو الجلسة السابقة نفسه، مع استمرار الانقسام الشديد بين الأطراف الشيعية.

ويدفع التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، الفائز الأكبر في الانتخابات التشريعية، إلى عقد الجلسة. وهو شكّل تحالفاً برلمانياً من 155 نائباً مع الحزب الديموقراطي الكردستاني وتكتل سني كبير من مجموعة أحزاب، أبرزها حزب يقوده رئيس البرلمان محمد الحلبوسي.

ويؤكد الصدر حيازته غالبية كافية في البرلمان للمضي في تشكيل “حكومة أغلبية وطنية”، وهو يأمل في فك الارتباط مع تقليد التوافق الذي يتيح لمختلف القوى السياسية النافذة المشاركة في السلطة. وبذلك، يضع الصدر خارج حساباته قوى وازنة على الساحة السياسية، خصوصا الإطار التنسيقي.

في المقابل، يدعو الإطار التنسيقي الذي يملك تحالفاً بأكثر من مئة نائب، إلى المقاطعة.

وأعلن الأربعاء تحالف “إنقاذ وطن” الذي يقوده الصدر دعمه الواضح للمرشح ريبر أحمد للرئاسة، ولجعفر الصدر، سفير العراق لدى لندن وقريب زعيم التيار الصدري، لرئاسة الحكومة. ودعا الصدر النواب المستقلين إلى المشاركة والتصويت.

وقالت مصادر برلمانية لـ”فرانس برس”، إن نحو 131 نائباً قد يقاطعون الجلسة، ما يعني عدم تحقق النصاب اللازم، وإرجاء جديد للانتخابات البرلمانية. ويهدّد ذلك بإطالة أمد الأزمة، وقد يؤدي الى حلّ البرلمان وانتخابات تشريعية جديدة.