من الملاحظات الدقيقة التي أتى بها الزهري -أحد كبار رواة وعلماء الحديث-أنَّه قال لمعمر بن راشد: ألا أحدثك بحديثين عجيبين:

قال الزهري: أخبرني حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

«أسرف رجل على نفسه فلما حضره الموت أوصى بنيه فقال إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم اذروني في الريح في البحر فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه به أحدا قال ففعلوا ذلك به فقال للأرض أدي ما أخذت فإذا هو قائم فقال له ما حملك على ما صنعت فقال خشيتك يا رب أو قال مخافتك فغفر له بذلك»

ثم قال الزهري وحدثني حميد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت هزلا»

قال الزهري: «ذلك لئلا يتكل رجل ولا ييأس»

الحديثان كما نلاحظ من رواية الزهري، وقد أخرجهما الإمام مسلم في صحيحه وأورد مقولة الإمام الزهري.

وحين مرَّ النووي على الحديثين ومقولة الزهري أثناء شرحه على صحيح مسلم قال: «ابن شهاب لما ذكر الحديث الأول خاف أن سامعه يتكل على ما فيه من سعة الرحمة، وعظم الرجاء، فضم إليه حديث الهرة الذي فيه من التخويف ضد ذلك، ليجتمع الخوف والرجاء، وهذا معنى قوله: لئلا يتكل ولا ييأس، وهكذا معظم آيات القرآن العزيز، يجتمع فيها الخوف والرجاء، وكذا قال العلماء: يستحب للواعظ أن يجمع في موعظته بين الخوف والرجاء; لئلا يقنط أحد، ولا يتكل، قالوا: وليكن التخويف أكثر; لأن النفوس إليه أحوج; لميلها إلى الرجاء والراحة والاتكال، وإهمال بعض الأعمال».