الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

القائلون بالتبديع للاحتفال يلزمهم الإجابة عن سؤال واحد:

هل الاحتفال تعبد!

فالبدعة هي أمر محدث في الدين يقصد به التعبد ومضاهاة الشريعة،

والاحتفال أمر محدث في الدنيا، وإنما دخل في القرون المتأخرة فلشيوع وتنوع معنى الاحتفال،

واقتباس ذلك عند العرب بالاختلاط بسائر الأمم.

فإن قيل أن في هذا الاحتفال معنى التعبد؛

فجواب ذلك: أنه التعبد بالمعنى العام كسائر العاديات،

وليس التعبد الخاص أي ما يكون من جنس الشعائر التعبدية وهو مقصود الشاطبي بقوله: “يقصد به مضاهاة الشريعة”

وأن أطلقنا القول بالتبديع في التعبد بالمعنى العام لسرى ذلك في الأنكحة والأشربة والأطعمة والألبسة وسائر المباحات،

ولحرم الاحتفال كذلك بالنجاحات والرياضات وغيرها.

الاستدلال بعدم فعل النبي

والاستدلال بعدم فعل النبي ﷺ وأصحابه؛ ليس حكماً مستقلاً بذاته يعرف ذلك أي دارس لأصول الفقه،

وإنما يثبت الحكم بالأمر أو الفعل أو الإقرار على تفاوت في مراتبها كذلك.

ويترك ما سوى ذلك للاجتهاد والنظر في الأدلة والدلالات اللفظية بدرجاتها، أو المعنوية على اختلافها، والقواعد الفقهية العامة.

كما لا يصح الاستدلال بالمخالفات الواقعة من بعض الجهال والغلاة في الاحتفال بالمولد على بطلان أو تبديع الاحتفال ذاته!

وإلا صح تشنيع الكفار والمخالفين على ملة الإسلام بظهور الفرق فيها وتنازعها،

أو على أخطاء وممارسات بعض المسلمين؛ وإبطال الدين نفسه بهذه العلة الساذجة.

ومن المضحك استدلال البعض بأن يوم الثاني عشر هو يوم وفاته ﷺ الثابت المعلوم، وأما أنه مولده فمتنازع فيه، فكيف تحتفلون بيوم وفاته!

هذا كلام يصلح للضحك على الأطفال، فإنما يحكم على أفعال الناس بمقاصدهم وفهومهم هم لا بما تختلقه في رأسك،

ويوم مولده الشريف وإن تنوزع فيه؛ إلا أنه من المشهور في الأمة فينبغي اعتباره لا إهداره.

هذا وكما قال بتبديع الاحتفال كثير من العلماء؛ فقد خالفهم في ذلك جمهرة غفيرة من العلماء قديماً وحديثاً قالت بجواز الاحتفال،

ودع عنك أصحاب الرأي الواحد فلعل وحياً خاصاً نبأهم بكل شيء قولاً واحداً فهم فيه متوحدون!

وأخيراً: فمقصد ما كتبته أن في الأمر متسع ولا ينبغي التشنيع والنكير على المحتفلين، فأن فعلوا فبحب رسول الله ﷺ كان فعلهم،

وإن توقف آخرون فبتوقير الشرع والوقوف عند الدليل فبارك الله في الجميع.

من عبد الرحمن محمد جمال

مدرس بجامعة دارالعلوم زاهدان - إيران، مهتم بالأدب العربي وعلوم الحديث وقضايا الفكر والوعي الإسلامي.