عن عامر عبد المنعم آخر من قالوا «لا» في وجه من قالوا «نعم»

عن عامر عبد المنعم آخر من قالوا «لا» في وجه من قالوا «نعم»
عن عامر عبد المنعم آخر من قالوا «لا» في وجه من قالوا «نعم»

عند سماعي نبأ اعتقال الكاتب  الأستاذ الصحفي عامر عبد المنعم من بيته قفز لذهني نقاشٌ قديمٌ معه في منزله قبل ثلاثة أعوام -في إحدى زياراتي لمصر المحروسة قبل أن يستقر بي المقام قسرًا بها حتى الآن- حول خطورة ما يكتبه حول سد النهضة، وتيران وصنافير، وطرد المصريين من سط البلد، والأقصى والتطبيع، والرهينجا، والنفوذ الفرنسي في مالي.. إلخ، وعن رفضه الخروج من مصر  لاعتبارات عائلية، وبعد نقاش طويل كانت إجابته:

«أنا لو مسجون هايبقى نفسي أن أكتب.. فأنا دلوقتي مش مسجون  يبقى أكتب»، هذا في نفس الظرف الذي كان يبحث فيه عن فرصة عمل يكتب فيها بشكل منتظم واحترافي، وهو الصحفي صاحب الخبرة التي تزيد عن ثلاثين عامًا، ولكن هذا هو قدر القائد دائمًا أن يكون في أكثر المناطق خطرًا كما يقول منظرو القيادة الإدارية.

يظل العامر بالنسبة لجيلي قامة شامخة، يفعل ما يقول، ويقول ما يؤمن به، لن ننسى وهو ينادي على إقامة الصلاة، ويؤمُّنا في  الجريدة للصلاة، لا ننسى وهو من ينتظرنا ليُوصلنا في طريقه بعد إرسال الجريدة للمطبعة، وذلك بسيارته القديمة التي لم تتجدد حتى بعد ثورة يناير، تلك الثورة التي بعد الانقلاب عليها عاد لبيته يكتب ما يُمليه عليه ضميره، وينزل ليؤم المصلين في الزاوية الصغيرة في الشارع الذي يقطن به، ويعرض سيارته القديمة للبيع ليحافظ على مبادئه القديمة غير المعروضة للبيع.

وقصص “العامر” مع البيع مُلهمة مؤثرة لا سيما لجيلي الذي يقارن بينه وبين زملاء جيله من الصحفيين والمحللين والخبراء الاستراتيجيين النائمين على “البلاطة الرمادية” في “بلاط صاحبة الجلالة” أو في البحار الدافئة في قاعات نقابة إبراهيم نافع  ونسله من النقباء الغربان.

فقد حدثني «العامر» في بداية عام 2012 عن عرض من شخص إماراتي لشراء موقعه الإلكتروني «عرب نيوز» الذي كان يُنفق عليه من جيبه -أقصد الأستاذ-، ولكنه رفض خشية أن يدعم الموقع حملة ترشح الفريق أحمد شفيق -وقتئذ- وسياسة دولة الإمارات المناهضة للربيع العربي.

لا أعتقد أن هذه السطور مهمة في أن تضيف في التعريف بـ«العامر»، وتاريخه في جريدة الشعب يكفي، والتجربة الرائدة في الصحافة الإلكترونية في موقع «محيط» معروفة، ومقالاته الساخنة في موقع الجزيرة، وإن كانت محجوبة لكنها تشهد له بالنزاهة والشجاعة، فهو الذي يكتب من الداخل ويعارض بالأرقام الخرائط، ودون مقدمات نارية أو مُدخلات دولارية، ولكنها للأسف ستشهد على العامر لدى  محاكم النظام أنّ كاتبًا يحلم بوطن عامر وخالٍ من هؤلاء المجرمين الأفاقين.

أن تكون عامراً يعني أن تتوافق مع ثوابت أمتك قولًا وفعلًا، «العامر» أسس قسم «الأمة» بجريدة الفتح، وساهم في تأسيس موقع جريدة «الأمة» الإلكتروني، وعشرات المقالات المدافعة عن الحقوق الأساسية والسيادية للأمة دون تحزّب أو انتماء ضيق، حتى بعد ثورة يناير لم ينل «العامر» أي مكاسب  أو كان له مقعد برلماني، أو تعيين في جهة في حقبة المغانم المؤقتة، وحتى 30 يونيو فعامر محسوب على الأمة لا على جماعة أو طائفة، فعامر عبد المنعمِ كعنترة (يغشى الوغى ويعف عند المغنمِ).

هذه الفقرة من مقال «في حياة الأمم مواقف» بتاريخ: 2017-08-14، للعامر توضح بدقة عنه وعمّا يمكن أن يكتبه لو سمحوا له بالكتابة في محبسه: «سيدنا يوسف تمسّك بالحق فدخل السجن، ولكن جاء وعد الله فخرج من الحبس إلى القصر، المؤمن لا يندم على قراره إذا كان من أجل الله، ومن يندم ويجلد نفسه ويلعن الآخرين فلن يصل إلى شيء، ولن يُغير القدر، في السفر الطويل عندما يحل عليك الظلام ولا يتبين لك الطريق، وتختلط عليك الاتجاهات، فلا تجهد نفسك في البحث عن حلول، وإنما توقف واستعن بالله واصبر، فالظلام لن يدوم للأبد».

أحتفظ بفخر شديد أني تتلمذت على يد «العامر عبد المنعم»، وأن هذا البلد ما زال به بعض أمثاله  لكني أيضًا أشعر بخزي شديد وأنا أكتب هذه الشهادة في حقه  باسم مستعار «نور الدين محمد» فلم أستطع أن أكون في مستوى شجاعته، فليس كل من ركب الخيل خيالًا، وليس كل جنوبي  «أمل دنقل» أو «عامر  عبد المنعم».

لكن عزائي أن تكون الاستعارة مندوحة عن العار، فلا أكون جنوبيًا بمواصفات «ضياء رشوان» و«مصطفى بكري».

من سعيد المرتضي سعدي

باحث الدكتوراه، جامعة شيتاغونغ الحكومية، شيتاغونغ، بنغلاديش مدير، مدرسة الحضارة الإسلامية.