في مُختلف الفعاليات التي نؤديها يوميا وعند التعامل مع الأهل أو الأقارب أو شركائنا في المجتمع قد تتراكم الأخطاء اللفظية أو تأثير الاختلافات الدينية والأخلاقية أو الثقافية والعلمية.. يُرافقها في أحيانا كثيرة كتمان الألم والانزعاج والشعور بالظلم الذي ينموا ويكبر شيئا فشيئا حتى تُصبح حياتنا عالماً لا يطاق يؤدي بنا إلى نفقٍ مُظلم.. وقد يلجأ احد الطرفين إلى مُخالفة الآخر عن قصد في أحيان كثيرة مُعتبرا ذلك انتصارا يُولد عنده شعورا بالزهو خصوصا عند إثارة الخصم وإيصاله إلى اعلي مُستوى من الانفعال وفقدان السيطرة على السلوك.. وقد يتحول البيت أو غرفة النوم إلى ما يُشبه ساحة حربٍ حقيقية تتساقط فيها كل القيم وأول ضحاياها هم الأطفال. اللذين إذا شخصت سلوكا مُنحرفا عند احدهم فتأكد من وجود المشاكل بينَ الوالدين.

 

صراخٌ وعويل وقسوة وألفاظ جارحة من المؤكد أنها تتحول إلى حالة مَرضية تتصاعد تأثيراتها كالنار في الهشيم . وان وجدت من يُغذيها جهلا كالأمهات أو الأخوات أو الأصدقاء سندخل في عالم مختلف من الصراع قد يصل إلى مستوى التفكير الجنائي الذي يؤدي إلى ارتكاب الجريمة.. صور مأساوية كأنها حلمٌ مُخيف وليس بيتا نأوي إليه طلبا للراحة والاستقرار وكأننا سفينة بلا ميناء.. ناهيك عن أن بعض العلاقات لا يمكن إلغائها وان حصل ستسبب ضررا اجتماعيا بالغا كالزوجين إذا افترقا أو الانفصال عن الوالدين والأخوة والأخوات.. ولهذا عليك أن تجعل في بيتك جلسة للتفاهم والمكاشفة الحقيقية كل أسبوع مثلا واطرح السؤال التالي وأنت مُبتسم:

 

ما الذي يُزعجكُم فيَّ؟

 

ثم نعدل ونبدل الأدوار حتى ننتهي جميعا من عرض آرائنا الحقيقية في عملية تشبه الاستبطان في علم النفس حتى لا نصل يوما ما وبشكل مُفاجئ إلى طريق مسدود ونكتشف أن مشاكلنا صارت جبلا شاهقاً لا يمكننا بلوغه وتهديمه.. ولهذا علينا أن نكره الفعل السلبي وليس مُرتكبه من خلال الفصل بينهما أولا ثم المواجهة وعرض التصورات التي أدت بنا إلى النفور من بعضنا وأسباب وصوله إلى هذا المستوى.

 

والأهَم علينا أن نُفرق بين الشخصية: التي هي نظام متكامل من مجموعة الخصائص البدنية والوجدانية والإدراكية التي تُحدد هوية الفرد وتُمَيزه عن غيره. وبين السلوك: وهو الفعل الذي يستجيب به الكائن الحي برمته لموقف ما بشكل واضح ويكون عضلياً أو عقلياً أو كلاهما معاً أو فطرياً أو مكتسباً. وبناءً على ما ذكرنا في تعريف الشخصية نجد أنها نظام متكامل لكل نواحي الحياة بما في ذلك السلوك. بعد ذلك نبدأ في تشخيص السلبيات وتعديلها من خلال إيجاد البديل للوصول إلى الأفضل والاستمرار في كشف ما يراه الآخرون خطأ سبب لهُم الحزن أو جرحا يُمكننا علاجه. ثم تطوير قدرات الفرد واستقلاليته بعد استلامه رسائل المودة والاحترام من الإنسان القدوة الذي يثق في مشاعره وقدراته مع النظر إلى الجانب المضيء من شخصيته بعد أن يتأكد أن احترامنا وإخلاصنا له هو الدافع لتقديم المُساعدة.

 

ويجب ألا ننسى أن هناك العديد من الأساليب التي تهدف إلى جعل حياة الناس أكثر إيجابية منها التشجيع والثناء والكلمة الطيبة أو منح الهدايا أو إشراكهم في الأنشطة التي يُحبون ممارستها ولكن في نفس الوقت إخضاع المُسيء إلى العقاب عند ارتكابه الأخطاء تجاه الآخرين كأن يضرب احدهم مع الانتباه إلى أن العقاب قد يُوقف السلوك الخاطئ مؤقتاٍ وبانتهائه يعود إليه مرة أخرى. وقد يقوم بتصرفات سيئة من اجل لفت الأنظار إليه لذلك وجب تجاهله. على سبيل المثال لابد أن يتعلم أن الكتابة في الدفتر سلوك صحيح أما على الجدران فهو خاطئ. كذلك يمكن ربط السلوك السيئ بشيء منفِّر لأنه يُساعد على الحد منه. كأن يتم تغريمه ماديا أو من خلال مُعالجة عدم ثقتهم بأنفسهم وشعورهم بالخجل وانسحابهم من المواقف الاجتماعية التي تتم من خلال التكرار والتدريب.

 

أن من أهم أسباب فشلنا في الحياة هو الهُروب من مُواجهة أخطائنا. واللجوء إلى منهج التبرير الذي يجنح بنا إلى الكذب والهُروب والمُراوغة واستخدام وسائل الدجل والخرافة في حل مُعظم مشكلاتنا بعيدا عن الحلول العلمية والأسباب الحقيقية التي أدت إليها مما يُؤدي إلى تفاقمها. ورغم ذلك نضفي على آرائنا وسلوكنا أحيانا القداسة وما على التابعين إلا التأييد والمُوافقة شاءوا أم أبو. ولكن إذا أردنا الخُروج من أزماتنا لابد أن نُعيد إلى بيوتنا الحب والأمن والأمان والابتسامة والرحمة والتعامل الإنساني والمشاركة الحقيقية في الآراء والقرارات ونبتعد عن سوء الظن والشك واتهام بعضنا بالباطل. لأننا عندما نفارق أبا كان أم أخًا أو ابنًا أو زوجة أو صديقًا. نبكيه دماً وحسرة ونتمنى أن يعود إلى الحياة لنخبره أننا آسفون ولكن بعد فوات الأوان.

 

اتفقوا الآن على موعد لمواجهة بعضكم بما في قلوبكم وستشعرون بالفرق والتأثير الكبيرين لتكونوا قادة. فالقائد الناجح هو الذي يحول الدموع إلى ابتسامة والفشل إلى نجاح والضعف إلى قوة.

من د. رشاد لاشين

خبير تربوي وإستشاري طب الأطفال والمراهقين بالدوحة