أحبُ تلك النظرةَ التى تُرمى من أعين من يجلسون إلى أنفسهم ،وهم لا علم لهم فى شأنٍ ما ،ثم يطفقون فى تبرير كل شيء أنّه صحيحٌ ،وليس مُحرماً دينياً أو مُجرماً اجتماعيا ..

ثم يُلقي بالاتهام على المجتمع ،بأنّه جاهلٌ عظيمٌ ،ومُقلدٌ لعينٌ لآبائه وأجداده ..

 نظرةُ ضعفٍ ،فلو وقفتَ -أمامه- بنظرة العارف الحادة بكل شغف على ملء فراغه الفكري بالرد على تبريراته ،لن ينبس بكلمة واحدة ويكأنّ لسانه أُستل من فمه .

لذلك أحب تلك النظرة نظرة الخجل والهوان ..!

حتى لا يُكرر فعلته ! ..وقلما من يكترث لذاك !..لأنه يعلم أنه يعبث !

هذا هو حال كل من يعانى من فراغ فكري* العبث..بأن يحاول ملء ذلك الفراغ لكنه مشغول فى دنياه ،منهمك فى جمع الأموال ،ويكأنَّ الحياة ما هى إلا جمع للأموال !

التعليم من أجل الظفر بمستوى تعليمي يلائم مستوى وظيفي مرموق اجتماعيا.. البحث عن عمل بدافع المال ،التقرب من الله حتى يوسع الرزق.. التقرب من رجل شرطة أو جيش من أجل وسطة ما ،وإلخ إلخ إلخ ..

* فأقصد بالفراغ هنا ،كل شعور مُلِح للجواب على سؤال ما يدور بخاطر الإنسان .

وليكن ..!

أَتذكرُ تلك الآونة التى جالستُ فيها أحدهم.. فسألته: لماذا عَمِدتَ إلى تعلم صنعة بدلاً من استئناف الدراسة؟!

فكان الرد: “هما اللى اتعلموا أخدوا ايه؟! ما هما قاعدين من غير شغل على القهاوى”

نعم ،إنَّ الجميعَ أصبحَ يعملُ مِنْ أجلِ المالِ، مِنْ أجلِ الأكلِ والشربِ ،مِنْ أجل مصلحة نفسه، مِنْ أجل إشباع ذاته، ورغباته، ونشواته، ولذاته، إنَّما العلمُ، فلا أصبحَ له مكانةً بيننا.. نعم، فلا أصبحَ!

ولو أصبح له مكانة قليلة فهى لدافع الشهرة والمال..! لا لدافع رفع راية الإسلام بأنَّه دينُ علمٍ، بأنْ يكونَ لبلادِ الإسلامِ حيزاً مُسرمكاً* ومُزججاً فى كوكب الغرب !.

 فالجميع يتعلم ويتبارز فى مرحلة الثانوية العامة من أجل الحصول على شهادة تؤدى لوظيفة ذات أجر مغري !

فالمال هو ما ضيع علينا لحظة الوقوف أمام دعوات الله لنا فى أكثر من ألف ونصف الألف موضع فى القرآن بأن نتعلم ونقرأ ونتفكر..

فنحن دين العلم والعمل والتفكير والإيمان ..!

فهل هناك مؤشر على ذلك فى عصرنا الحالى؟! ..رجاء اكتمْ الإجابة بداخلك ولا تُطلقها !

قد يكون هناك علم وعمل ..لكن بلا إيمان صادق ،وقد يكون هناك إيمان صادق ،لكن بلا علم وعمل ،فالتفكير لم يظهر أبداً بصحبة العلم والعمل أو الإيمان أو الثلاثة -إنْ وجدوا معاً-.. فالمساءلة تقتضى حتمية وجود الأربعة معاً على الأقل.. وقد تَكونَ أكثرَ تطرفاً مني وتقولُ لا يوجد أيٌ مِنْ الأربعة أساساً .

فلم يكونوا معاً إلا فى حينٍ واحدٍ ،حينُ وجودِ النبي -عليه الصلاة والسلام –

حيثُ كوّنَ مجالاً للذاكرة الأوروبية، فكانت بمثابة انطلاقة رائدة لعلوم الغرب ..وهم على ذلك بشاهدين !

شاهدون على هذه العبارة الإسلام يشكل مجالاً للذاكرة الأوروبية ..حيث أعنّى بمجال الذاكرة “كل الظواهر الثقافية (مادية أو ذهنية) التى ترتبط بصورة عفوية أو واعية بالماضى .” 

كفى بالمسلمين عبثاً ،أنْ يتنازعوا فى دينهم ..

بـ:

هل النقاب واجب أم فضيلة؟

 هل اللحى وقص الشوارب واجبة أم فضيلة؟

هل الغناء حلال أم حرام ،مع إرفاق التواشيح بالقائمة؟

هل تارك الصلاة دمه مستباح أم لا؟

 إلى آخر ما تأخذنا إليه تلك الأسئلة من متاهات ومغامرات، فيرد عليها هذا الحديث رواه الإمام أحمد عن وابصة بن معبد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ نَعَمْ فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي وَيَقُولُ يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ)

 ..قال “واستفتِ قلبَكَ..” ! .

فاتركوا النزاع للعقول والقلوب السويّة ،و تنازعوا فى استخراج العلم والاكتشافات من قرآننا إنْ كنتم تستطيعون؛ لأنّ هذه هى النصرة الكبرى لديننا إن كنتم تبغون النصرة للدين !..ويكأنّ الله خلقكم لخدمة الدين لا العكس!

وكفاكم استيراد الإمكانات والعلوم والأجهزة والماكنات من الغرب الذين تسبوهم كل ليلة وضحاها بدون اختلاجاتٍ تُصيبُ أعينكم.. وتنافسوا معهم فى العلم ولو لمرة.. واخترعوا لهم شيئاً.. اكتشفوا لهم شيئاً.. أثبتوا لهم أننا دين علم.. وليس دينٌ يبحث عن السلطة.. ومتوقفٌ على أن تكون السلطة بيده أو أنْ يكون العالم كله معتنقه على مستوى المجتمعات والآحاد.

ذلك هو قمة الجهل بالدين اعتقاد كل ذلك ..!

 ولن يكترث لذلك الشأن أحد !