الأمة | إن الموقف العدائي لفرنسا من الجزائر لم يكن يوما مجرد نوايا لأوساط مجهولة الهوية كما يصر عليه من تكلموا باسم الشعب الجزائري منذ سنة 1830، وإنما هو موقف يستهدف الشعب الجزائري بالإبادة الحسية والمعنوية ويستهدف وطنه بالاختطاف، وهذا الموقف ليس موثقا في الأرشيف الفرنسي الرسمي والشعبي المكتوب والمصور والمسموع فقط وإنما تشهد عليه الدماء التي تخضب كل شبر من تربة الجزائر والمقابر الجماعية التي ما زلنا نكتشفها بعد كل حفرية والألغام التي لم ينته جيشنا الوطني الشعبي من نزعها من أرضنا إلى اليوم.

 

– يأتي الوثائقي الفرنسي الأخير ليثبت للغافلين بأن فرنسا التي فشلت في اختطاف الجزائر بالحديد والنار قبل 1962 بفضل تضحيات الرجال والحرائر المخلصين قد تمكنت سنة 2020 من اختطاف شريحة لا بأس بها من الأجيال التي ستشكل الشعب الجزائري في المستقبل، لأن هناك من المسئولين الجزائريين من ما زال يعتبر عدوانية فرنسا لم تتجاوز نوايا بعض الأوساط التي لا يروق لها أن تسود السكينة العلاقة بين الجزائر وفرنسا وكأن هذه السكينة كانت أو يمكن أن تكون في ظل الغطرسة الفرنسية المتأصلة، وإذا كان تحول فئة سفيهة من شعبنا إلى جواري و غلمان في الماخور الفرنسي مصيبة، فإن اعتبار فئة من النخبة الرسمية عداء فرنسا للجزائر مجرد نوايا هو المصيبة الأعظم، وعوض الله شهداءنا وضحايا المحارق الفرنسية في الجزائر خيرا.

 

– إن الرد الدبلوماسي الفعال على ما تقوم به فرنسا لترسيخ وصايتها علينا لا تكفي فيه الإجراءات الشكلية التي لا تشعر فرنسا بذنبها وإنما يكون برد الاعتبار لسيادة الدولة الجزائرية فيما تملك من صلاحيات و يشعر فرنسا وكل عملائها بعواقب غطرستهم.

 

– إن  العام والخاص يعلم يقينا بأن من مظاهر استمرار الوصاية الفرنسية على الدولة الجزائرية هو ذلك الخضوع المخزي لقرار تجميد قانون تعميم اللغة العربية الذي فرضته فرنسا وعملاؤها منذ سنة 1992، وإذا كانت هذه الوصاية المباشرة لفرنسا قد أنهيت على مستوى مراكز القرار في الرئاسة وقيادة الجيش الوطني الشعبي فإن استمرار الخضوع لهذا القرار لا يعني سوى أن الخضوع لهذا القرار طوعي يكشف الهزيمة النفسية والقابلية للاستعمار التي ما زال يعاني منها بعض الجزائريين، ولذلك فإنني أقترح على السيد رئيس الجمهورية الرد على كل استفزاز فرنسي بخطوة عملية لترسيخ السيادة الوطنية وإنهاء الوصاية الفرنسية بكل أشكالها.

 

– اليوم رفع التجميد عن قانون تعميم اللغة العربية وغدا فرض الرقابة على المراكز الثقافية الفرنسية في الجزائر وتطهير وزارة الثقافة و ملحقاتها من الجواسيس المتنكرين في جلد الثقافة والفن وبعد غد تطهير وسائل الإعلام العمومية من عارضات وعارضي الأزياء الفرنسية في مظهرهم وفرض المظهر الجزائري على مذيعي ومذيعات التلفزيونات العمومية حتى تستفيد الجزائر من الإشهار في قنواتها الوطنية وبعدها تعزيز الانفتاح على دول عظمى غير فرنسا في القطاعات التي تحتكرها في الجزائر.

 

– وهكذا كلما رققت فرنسا الخبز أكلنا نحن مرتين وسنرى إن كانت فرنسا ستستمر في غطرستها أم أنها ستفكر في التعامل معنا باحترام.

 

– أما ما دمنا نستخفي بانتمائنا لجزائر الشهداء ونفرض على أنفسنا رقابة ذاتية لإرضاء فرنسا وكلابها باسم الدبلوماسية فإننا سنعطي لفرنسا الفرصة للعودة من جديد.

 

وهذا ما لا نسمح به مهما كانت الظروف و الأحوال.

من د. محمود حجازي

كاتب مصري، وباحث في دراسات الشرق الأوسط بالولايات المتحدة