خلال زيارته الأخيرة لفرنسا، قال عبدالفتاح السيسي في حوار لقناة «فرانس 24» الفضائية الناطقة باللغة العربية: «ما حدش -أي لا أحد- يقدر يؤمن بنسبة 100 % حدوداً تمتد لأكثر من 1200 كيلو متر»!!

ويعد هذا التصريح اعترافاً واضحاً من جانب رئيس أكبر دولة عربية خلال زيارته لدولة أجنبية -معروفة بتاريخها الاستعماري الطويل في المنطقة- بالعجز عن تأمين حدود مصر الغربية مع ليبيا.

لم يكتفِ السيسي بهذا الاعتراف الصريح بالعجز عن تأمين الحدود، بل إنه كشف النقاب عن تدخل فرنسي في شؤون مصر، بل وتعاون مصري – فرنسي مشترك للتدخل في شؤون دولة عربية شقيقة، عضو في الجامعة العربية، حين قال بالحرف الواحد: «هناك جهود مشتركة لمنع وصول الأسلحة والمقاتلين من ليبيا إلى مصر، ثم التعامل مع المقاتلين هناك»!

واختتم التصريح -الفضيحة- بدعوة صريحة للتدخل الدولي في ليبيا، مشيراً إلى أنه لا يمانع في أن يتدخل الغرب «المجتمع الدولي» في شؤون مصر، حين قال بالحرف الواحد: «نحتاج أن نتكاتف لمنع وصول المقاتلين والأسلحة من ليبيا إلى مصر».

لم يكن هذا التصريح، وتلك الدعوة للتدخل الأجنبي غريبة على السيسي، الذي خاطب الرئيس الأميركي دونالد ترمب، خلال كلمته عقب تفجيري الكاتدرائية المرقسية في العباسية شرق القاهرة في أبريل الماضي، ودعاه على الهواء مباشرة للتدخل لمكافحة

ما أسماه بالإرهاب!!

قد يلجأ البعض للقول: إن هذا أمر عادي، لأن الدول تتعاون فيما بينها لمكافحة ظاهرة الإرهاب العالمية، لكن يتعين التوقف عندما يعرف بـ «الدور الوظيفي» للنظم العربية في استمرار تبعية دول وشعوب منطقتنا للمستعمرين السابقين، وللغرب عموماً.

لم يكن مستغرباً تصريح يوسف العتيبة -سفير الإمارات بواشنطن- حينما حدد 5 دول بعينها هي: السعودية والبحرين والإمارات ومصر والأردن، على اعتبار أنها تريد أن ترى نظماً علمانية مستقرة ومزدهرة، في منطقة الشرق الأوسط، لأن هذا الكلام يوضح لأصحاب القرار في الغرب أن هذه النظم ترغب في استمرار تبعية شعوبها ودولها لهم، وأن هؤلاء الحكام يريدون استمرار دوران بلدانهم في فلك التبعية للغرب، وسيطرته وهيمنته على ثرواتهم ومقدراتهم، وأنهم سيعملون مثل «رأس حربة الغرب» ضد كل من يفكر في الانفكاك من ربقة تلك التبعية والهيمنة الغربية، ضد كل من يحلم باستقلال حقيقي، وتنمية تستهدف رخاء الشعوب ورفاهيتها، ضد كل من يحلم بأن تكون ثروات شعوب المنطقة تصب لصالح تلك الشعوب، وليس لصالح شعوب الغرب المستعمر في أوروبا وأمريكا، وحكوماته غير المنصفة، وأذنابهم من الحكام المحليين المستبدين الفسدة في منطقتنا.

والخلاصة، أن النظم المستبدة -التي تحكم شعوبها ضد إرادة تلك الشعوب- تتحدث إلى الغرب بلسان نظرية التبعية، التي ترى أن فشل دول العالم الثالث في تحقيق مستويات ملائمة ومتواصلة من التنمية، إنما يرجع إلى تبعيتها للدول الرأسمالية المتقدمة، وقد تطورت نظريات التبعية لمواجهة المزاعم المتفائلة لنظرية التحديث، التي تقول إن بمقدور دول العالم الثالث أن تلحق بركب الدول المتقدمة، إذ يؤكد أصحاب نظرية التبعية أن للمجتمعات الغربية مصلحة في الحفاظ على وضعها المتميز بالنسبة للدول النامية، إذا حافظت على الدور الوظيفي للحكام التابعين لها في الدول النامية.

وهذا ما يحدث تماماً مع السيسي وبقية الحكام، الذين يدعون لاستمرار النظم العلمانية في المنطقة.

العرب القطرية

من محمد السخاوي

باحث سياسي