يقول الحق تبارك وتعالى : (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا).

هذه آية جليلة القدر جدا وكريمة جدا ورحيمة جدا وناصحة جدا.

الآية تتذرع في المفتتح بما به نفي الريبة ومطاردة الشكوك حول ما تتضمنه من قرارات المشيئة العليا. وذلك واضح في الافتتاح بحرف التوكيد الأشهر:(إن ).

والآية تكشف عن سبيل النجاة الذي لا يتغير وتقيمه في ركنين يغطيان الإنسان بركن صادر عن القلب العامر بالتصديق بالله والاطمئنان له والتسليم لجنابه ومراده. وركن صادر عن البدن والجوارح وهو العمل الصالح بمنظور الكتاب العزيز.

وقد فهمت الأمة ذلك فأنتجت علوما للقلب وإيمانه هي علوم الإيمان وأصول الدين والتزكية، وأنتجت علوما ضابطة لعمل الجوارح من الفقه وأصوله ومن التربية وغيرها.

وقد رتبت الآية الكريمة جزاء ربانيا حسنا متجددا لمن نهض واجتهد في تحصيل هذين الركنين والارتباط بهما.

هذه آية عجيبة في وضوح ما تقرره إذ تتعامل مع النفس النافرة من الرهق بمنهج يلخص له منهج النجاة في أمرين إيمان وعمل صالحات. وهي آية عجيبة في تاتيها لتحفيز الإنسان برصد الأجر الوسيع المتجدد المؤكد بأن المضمون من الرب العظيم الغني بقرينة (نا) الواقعة اسما لإن.

والآية توشك أن تكون نصا في محاصرة الأمل الكذوب الملهي ساعة ترتب الأجر على العمل الحسن.

والآية نص في البشارة تصريحا ونص في النذارة لزوما وتلميحا.

والآية تنبه كل راع أن يسير في المؤمنين الذين ينهضون بالعمران والحضارة والعمل الصالح سيرة الرب فيهم بالإحسان إليهم وبذل الأجور لهم.

والآية توشك أن تقرر أن سبيل إقامة الحضارة واستقامة الوجود كامن في بذل الأجور للعاملين وكامن في البذل للطيبين.

والآية توشك أن تقرر من طريق خفي نسبيا أن سقوط الحضارة ربما يكون في السطو على الأجور وسرقتها والتطفيف فيها. والآية توشك أن تقرر أن كل بذل للأجور من دون العمل تعريض بالخطر للحضارة ونيل من ثقافة العمل واغتيال للإنتاج.

الآية تتهم من يبذل أجورا متضاعفة على أعمال هزلية وتحرم أعمالا أخرى في القمة من النفع والصلاح أجورا متدنية أشبه بالمنع حقيقة منها بالعطاء.

الله يقول إن صلاح الوجود مرهون بالإقبال عليه قلبا وتعبيد القالب له

من د. فايز أبو شمالة

كاتب ومحلل سياسي، فلسطيني