وقد فتُحت هذه التسهيلات دون أي استعدادات أو إجراءات تنظيمية، حتى إن الحجاج تزاحموا على كنيسة القيامة إلى درجة أن أهلك بعضهم بعضًا، وقُتِل، منهم مئتان وكاد إبراهيم باشا نفسه أن يهلك لو لا أن أُنْقِذ بصعوبة.

وهو ما يثير الحيرة والشك حول مغزى هذا الاستعجال في إعطاء كل تلك التسهيلات التي لا تتحملها البنية التحتية للمدينة المقدسة.

لكل الأمر لم يقتصر على الحجاج فحسب، بل فُتِحت بيت المقدس للأجانب ولو بغرض التنزه والسياحة، وثم تحميهم بمجموعات عسكرية، وهو أمر اندهش له اليوناني الذي يعمل قنصلًا لروسيا، ورأى فيه مجرد إهانة للمشاعر الدينية للشعب بلا فائدة، يقول «عوضًا عن أن يقتصر الباشا على اللجم الحكيم لتعصب الشعب، أهان بلا فائدة شعور الشعب الديني نفسه، وسُمِح للكثير من الرحالة الأوروبيين، بزيارة مسجد عمر في القدس الذي يعتبر قدس الإسلام الثاني بعد حرم مكة.

لا شيء كان في وسعه أن يثير وساوس أشد لدى سكان القدس المتعصبين. لقد نشج خدم مسجد عمر المسنّون لهذا الانتهاك الذي لم يعهد له نظير من قبل في العالم الإسلامي، وفي كل مرة عند زيارة الأجانب للمسجد كان على السلطات المحلية أن تحيط نفسها وضيوفها بفصلية عسكرية لدرء فورة التعصب في المشاهدين»

ومما هو مثير للدهشة أن إبراهيم باشا وهو مهزوم ومنسحب ومضطر لتسليم البلاد، جَمَعَ أعيان دمشق ليختاروا الحاكم الذي سيسلم له المدينة ثم أعلن فيهم «ألا يمسوا النصارى واليهود بسوء، فإذا هم لم يرعوا أوامره يريد إليهم بقوة من جيشه ويحل بهم أشد العقاب»

أثمر كل هذا تضخمًا كبيرًا في أعداد اليهود والنصارى مقارنة بعدد المسلمين في مدينة بيت المقدس،

ذوطبقًا لإحصائية غربية فقد بلغ تعداد سكانها في العام (١٨٥٠): ٥٣٥ مسلمون، ٣٦٥٠ مسيحيون، ٦٠٠٠ يهود. أي أن اليهود صاروا أغلبية ساحقة بينما صار المسلمون أقلية صغيرة.

انتهى أولًا..