حين اتفقت كنائس الغرب عن فقرها أمام خطاب الدعوة وبراهينه لم تستسلم واجتاحت الدعوة حصونهم فما كان لهم إلا أن سارعوا في بناء النظام العالمي.

ولهذا سبقتنا الكنائس الغربية بقرون إلى تأسيس نظام عالمي بحكم صيرورة الكون لأن يكون وحدة واحدة بحكم تطور الحضارة.

بينما نحن ضللنا بعض مفكرينا وصدّروا لنا صور الكنائس التي تهجر وتتحول لمساجد بالغرب وتوقف أو الإبطاء بالتبشير وضعفه، وفرحنا بهذا وغفلنا عن مزاحمة الشراكة في النظام الدولي والذي احتكرته الكنائس.

فسبقتنا ببناء سلطة الأمر والنهى والتحسين والتقبيح والتحليل والتحريم والتشريع والتجريم ومنح الشرعيات وسلبها داخل مؤسسات النظام الدولي.

وكان أهم وأخطر وأسرع من الاشتغال بالتبشير إذ أصبح لا يستطيع أحد في المعمورة بالخروج على ما أباحوه ولا معارضة ما حرموه إلا وأصبح إرهابيًا منبوذًا..

وأبطلوا كل ثمار الدعوة وأهدروا كل أثمان المساجد التي اشتراها المسلمون بالغرب، وحتى أذعنت كل النظم الإسلامية والمنضوية كرها أو طوعا للنظام الدولي بتبني ما تشرّعه تلك المؤسسات الدولية وتحل حلالها وتحرم حرامها وتوالى وتعادى على مواثيقها وتتحكم في شكل ومادة حتى ما يتعلمه أطفالنا لينتجوا أجيالًا منا على هواهم كمسخ بشرى تحت زعم التحضر والتقدم.

ولهذا فواجعنا تأتى بعد وإبان رمضان حين لا نرى أطفالنا بالمساجد أو لا نرى غير الشيوخ والعجزة منا عن مشاركة الغرب في اللهو الذي صنعوه بديار المسلمين ورعته وسائل إعلامنا وما يعد لرمضان كل عام من مسلسلات.

كل ما كتبت أعلاه لا يهم بقدر الفاجعة، كيف للنبي يباشر وهو بالمدينة مع ثلة من الرجال ببناء نظامه العالمي ويمارس أول مهماته ببعث السفراء لكل القوى المحيطة والمتحكمة في الإقليم من حوله والعالم كأحد ركائز وأهم أسس البقاء مع الدعوة خطوة بخطوة.؟!

ونحن لازلنا من قرون خارج هذا النظام مع أننا مخزن ثرواته وجغرافيتنا تكمن فيها روحه ومحياه ومماته بغيرنا–

كل ما هو مكتوب أعلاه لا يهم، المهم كيف لازال يغرق أهل الدعوة في الترف الفكري والخلافات اللغوية والتأويلات والتنظير والتحزبات والصراعات فيما بينهم وهم أسرى لعدوهم الذي يملك مفاتيح كل شيء حتى التحكم في ألوان ملابسهم الداخلية.؟!