التفكير الجمعي ليس صوابا دائما.. وأقصد به ذلك التفكير المبني على تفكير الآخرين والسائر في دروبهم دون مزيد من التأمل والتفكير الذاتي المستقل.

وهذا بخلاف مسائل الإجماع التي ينفرد كل مجتهد فيها بالتفكير انفرادا تاما، حضرت له فيه كافة الأدلة والقواعد الممكنة،

فبذل فيها غاية جهده ومنتهى نظره، فأداه اجتهاده إلى ما وصل إليهم أمثاله من المجتهدين فتوافقت الآراء لا تقليدا بل اجتهاد.

وهذا الإجماع معتبر وحجة.

أما التفكير الجمعي فعماده:

أن يبني المرء رأيه بناء على أن فلانا الثقة يرى كذا، فانا أقول بمثل قوله، أو أن الجماعة الفلانية ترى كذا فلا يصح لي الشذوذ عن رأيها حتى في حالة عدم تفكيري المستقل،

ولو أن أحدنا سار خلف عالم أو تبنى رأي جماعة فتأمل فيه وقلَّب فيه النظر فبان له وجاهة الرأي المتبوع فلا حرج ولا عتاب ولا لوم.

إن الكثير من المواقف والآراء نراها في عالمنا اليوم وبخاصة الإسلامي وبالأخص في صفوف المتدينين مبنية على التفكير الجمعي الذي يقلد فيه الجميع دون كثير تأمل أو تفكير نابع من استقلالية ذاتية.

مواقف الناس

ولك ان تتأمل في مواقف الناس في المظاهرات والاعتصامات والمواقف الجماعية التي لا عقل فيها ولا تفكير وإنما هو انسياق الجموع بطريقة التفكير الجمعي، وبالطبع لست ضد التظاهر وإنما ضد الانسياق دون تفكير وسط الجموع.

وقد يقع في ذلك الكبار المحترمون كما حدث لشيخنا العلامة القرضاوي حفظه الله وبارك في عمره وعلمه وعمله، فالرجل على جلالته وعلمه يعترف بخطأ كبير وقع فيه شخصيا، فكيف بمن دونه من الصغار سنا وعلما،

هذا الموقف الذي يحكيه الشيخ بخصوص موقفه من الشيعة الاثني عشرية، فقد تحمس في وقت من الأوقات طال أمده، لمسألة التقريب بين السنة والشيعة،

وظل ظانا تفاهة الفروق بيننا وبينهم بانيا رأيه دون تأمل -حسب قوله- على إحسان الظن بجماعة من الأعلام الكبار الذين خاضوا هذا المعترك أمثال الشيخ حسن البنا والإمام عبد الحليم محمود والشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد المدني وغيرهم.

بل بنى الشيخ رأيه على شيء أضعف من هذا وهو كون الأزهريين لا يتناولون الشيعة لا بخير ولا بشر.

والحمد لله عاد الشيخ معتذرا للأمة على هذا الوهم الكبير الذي عاشه، والخطأ الذي ارتكبه عن اجتهاد بناه على وهم وحسن ظن على عن علم وبينات، عاد الشيخ  ليصارح الأمة بحقيقة الشيعة ومشروعهم غير الإسلامي.

والمراد من كلامي أن على كل عاقل أن يتأمل بنفسه في كل مسألة يمكنه فيها التأمل والنظر

وأن يرجع إلى أهل التخصص فيما لا علم له به بشرط أن يتخذ الموقف الذي تقوم عليه الحجج الواضحة والبينات الساطعة التي يقبلها العقل وتطمئن إليها النفس،

وما عدا ذلك فأوهام لا يجوز اعتبارها بمجرد أن فلانا يقول بها أو تلك الجماعة أو الطائفة تتبناها، وهذا لا ينفع المرء أمام ربه.

وتأمل أخي الفاضل أختي الفاضلة القارئ لهذا المنشور ستجد أن كثيرا من أفكارنا وتوجهاتنا ومواقفنا مبنية على مجرد إحسان الظن بأناس خطؤهم ربما أكثر من صوابهم.

وختاما:

نحن مسئولون عن أفكارنا ولن يسأل أحد عنا، فلا ينبغي أن نفعل إلا ما نؤمن به.