من المعروف أنه، منذ الربع الأول من القرن العشرين، شهد العالم ظهور بعض النظم التي زعمت قدرتها على أن تهيئ للإنسان جنة على الأرض، يذوق فيها النعيم الذي يتمنى، والسعادة التي يحلم بها.

وقد تبدى هذا من خلال ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي، خاصة وأنها تمكنت من أن تشكل «القوة الثانية» في العالم، وبالذات من الناحية العسكرية،

بل إنها تمكنت من أن تسجل قصب السبق في الخروج عن دائرة الكرة الأرضية، طارقة باب كواكب أخرى!!

 لكن طريق هذه التجربة، على ضخامتها وما ظهرت به مما سحر كثيرين، قد انكشف زيفه، من حيث ما كان من تجاهل «القوة الإنسانية»،

التي لا تقف عند حد المأكل والمشرب، والمسكن، مع التسليم بجوهرية هذه الاحتياجات الأساسية التي لا قوام للإنسان بدونها،

لكنها وحدها، تقف بالإنسان عند حد قرنائه من الكائنات الحية،

بينما هو بحاجة إلى أمور أخرى.. الحرية.. الكرامة.. العدل.. المساواة.. النقد.. إلى غير هذا وذاك من احتياجات «إنسانية»،

وهو الأمر الذي جعل هذه الإمبراطورية الضخمة تنهار بغير طلقة رصاص!!

وهو الحدث غير المسبوق عبر العصور التاريخية المختلفة، تأكيدا على أن الإنسان لا يعيش بالخبز وحده، ولا يبدع تحت ظلال الخوف.

 ولا نبالغ إذا قلنا أن هذا الفشل المدوي إنما قام على إنسان مهزوم من الداخل.. مشلول الإرادة، معطل التفكير الحر، المتنوع، يكاد أن يكون مقطوع اللسان، مقهور العواطف، يسكن الخوف قلبه.