من القضايا التي تستحق التأمل: التحليل للطبيعة النفسية والتركيبة الاجتماعية داخل القطاعات الشعبية الهادرة والجماهير الثائرة؛ التي خرجت في يومٍ من الأيام لتقوم بتحقيق غاية أو هدف؛ فأخفقت بل فشلت في تحقيق غايتها..

ولا ننسى الفئة الأعظم والأضخم تلك الجماهير الصامتة أو حزب الكنبة أو جماعة الأرائكيين الذين يرتقب مع من ستكون الراية ليُقرروا كيف سيقفوا؟

ومع من سينضموا؟

وإلى أي حد سيتقاربوا؟

ويتدارسوا حسابات الربح والخسارة التي تجعلهم يحسموا الموقف المنطادي بحسب الاتجاه ورغب المجتمع !

ونظراً لتكرار التجارب؛ فإنّ الناس عادةً لا تميل للدراسة الأفكارية للمحطات البيئية الاجتماعية؛ ففي الغالب يسعون لدراسة طبائع الشخصيات ويضعون عليهم الوزر الكبير والحمل العظيم كأن يقول بعضهم المشكلة في علماء السوء، أو المشكلة في فئة من الناس، ولكنهم لا يلتفتون إلى أنّهم بحد ذاتهم هم هم في مشكلة عويصة أعظم من مشكلة غيرهم!

فحينما ينهزم المجتمع، ماذا يفعل أبناؤه؟!

ترى كثيراً منهم يخوضون في خطابات النرجسية !

آخرون يُحدثونك عن تاريخهم الماضي وعن أيام العز!

ومنهم من يهيمون بالرؤى والأحلام، ويُخططون في المنام على هذه الآمال الحالمة.

فئة أخرى تنسحب تدريجياً بحجّة أنّ الوقت ليس وقتك، ثمّ تتدرحج نحو الدنيا، تركض وتركض خلفها، تتفسخ المبادئ الدينية لأجل المصالح الاقتصادية.

وآخرون يكون ديدنهم وهجّيراهم : لماذا فعل الله بنا؟ ولماذا خذلنا الله؟ حتى يُحاكموا الرب تعالى – حاشاه – لأمزجتهم الرديئة!

في حالة أخرى تجد بعضهم يميل نحو خطاب الحسم والمفاصلة مع المجتمع الذي خذلهم فيوجه إليه شتائم التهم، وعلى حسب الفكرية والخلفية الثقافية فذلك يُخوّنهم وآخر يُبدّعهم وثالث يعتبرهم جاهليون ورابع يعتبرهم جبناء متخلفون وآخرون ينقضون على المجتمع بالتكفير وشنق العنق ودق الرقاب وحز الرؤوس!

أما العلميون فإنّهم يهتمون بكتب التراث ينسحبون من الواقع لواذاً يقومون بتحقيق كتب التراث، وهذا حسن..!!

لكن قد يفتحون جبهات جديدة بقضايا جرى فيها خلاف قديم لا نشك فيه؛ إلاّ أنّهم يُقدّمون النقاش فيه على ما هو أولى من مناقشته ودراسته في الفترة الحالية؛ فترى أنّهم يعيدون تلك المسائل جذعاً إلى الحي الحاضر لمناقشتها..

ربما هذا تكتيك خفيٌ للانسحاب من الواقع وإصلاحه؛ والعيش مع لفائف ورقيّة وخمائل معرفية وأبّهات كلامية تجعلهم يقتنعون أنّ هذه القضية هي عين القضايا التي انحرف المجتمع لأجلها ومنها حصلت حياة البؤس!

وثمة فئة تُحسن السخرية المريرة والنكت الشريرة تُحاول أن تسخر بفلان الذي خرج من تحت إبطها، وتجعل منه السخيف الذي يستحق أن يخسف الله به، وقد كان في يومٍ من الأيام من الناس الصالحين؛ وبقدرة قادر أصبح من أعداء الله المجرمين!

ولك في فشّة الخُلق وغلّ الخلق بعضهم على بعض عبرة وأي عبرة!

مدار حكايتي لكم أنّ المجتمع المنهزم فيما بينه يريد أن يُركب الهزائم على غيره؛ فكل يرمي من فوق رأسه المسؤولية ليضعها في غيره في العلانية، وأما في السر فأغلبهم يبكون ويقولون: ما باليد حيلة، وليس لنا إلا الله، وأعقلهم من يقول: قل هو من عند أنفسكم، ولكن لا تجهروا بهذا حتى لا يُقال أنكم أخطأتم، فصحّحوا الخطأ من الداخل، وإن خرج من هو خارج عنكم ممن ليس هو منكم فقولوا: ما هذا بوقت النقد، بل وقت مهاجمة الخصوم، وهؤلاء العقلاء قلّة، أما الكثرة فيحسبون كل نقد عليهم حقد ضدهم..

قل لي بالله : كيف تفعل بمن يُحسن الظن بعدوك، ثم يُسيء الظن بك فيظن ابتسامة العدو صداقة؛ ونقدك البنّاء لصديقك حماقة !

ثم لا زلنا نسأل السؤال الذي سأله المفكر الهميم شكيب أرسلان قبل سبعين سنة: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم!

اللهم وعياً نُدرك به سرّ هزائمنا، ونُصلح به أنفسنا، ونُنصر به، كي نحياً كراماً..