بعد آدم استمر التعليم الإلهي للمصطفين الأخيار من ذريته، جيلًا بعد جيل. وقد أنعم الله على جميع الرسل والأنبياء الذين هم صفوة الخلق بالنبوة والعلم..

فهذا إبراهيم يقول لأبيه:

{يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا}

(سورة مريم:43)

وقال تعالى عن يعقوب :

{وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

(سورة يوسف: 68)

وقال عن يوسف :

{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)

(يوسف:22)

وقال عن موسى أيضا:

{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}

(القصص:14)

وقال تعالى:

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} (سورة النمل – الآية 15)

 فالعلم أهم من المال والسلطة والملك، ولهذا مَنّ الله عليهما به.. قال الزمخشري في تفسير الآية الكريمة: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ (عِلْمًا)}

أي طائفة من العلم أو علما سنيا غزيرا.. فإن قلت: أليس هذا موضع الفاء دون الواو، كقولك: أعطيته فشكر، ومنعته فصبر؟

قلت: بلى، ولكن عطفه بالواو إشعار بأن ما قالاه بعض ما أحدث فيهما إيتاء العلم وشيء من مواجبه، كأنه قال:

ولقد آتيناهما علمًا فعملا به وعلماه وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة {وَقَالاَ الحمد لِلَّهِ الذى فَضَّلَنَا}.

والكثير المُفَضّل عليه: من لم يُؤت علمًا.

أو من لم يؤت مثل علمهما. وفيه: أنهما فضّلا على كثير وفضّل عليهما كثير.

وفي الآية دليل على شرف العلم و رفعة محله و تقدّم حملته وأهله، وأن نعمة العلم من أجلّ النعم. وأجزل القسم،

وأن من أُوتيه فقد أُوتي فضلًا على كثير من عباد الله، كما قال: {والذين أوتُواْ العلم درجات} [المجادلة: 11]،

وما سمّاهم رسول الله : «ورثةُ الأنبياءِ» إلا لمداناتهم لهم في الشرف والمنزلة،

لأنهم القُوّام بما بعثوا من أجله. وفيها أنه يلزمهم لهذه النعمة الفاضلة لوازم، منها: أن يحمدوا الله على ما أوتوه من فضلهم على غيرهم.

وفيها التذكير بالتواضع، وأن يعتقد العالم أنه وإن فُضّل على كثير، فقد فُضّل عليه مثلهم.. انتهى.

وكذلك أقر سليمان بفضل الله عليه بتعليمه لغات الطيور والحيوانات {عٌلّمنا منطق الطير} (سورة النمل:16)

وقال سبحانه لنبيه يحيى ﷺ:

{يَا يَحْيَى خذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحكْمَ صَبِيًّا}

(سورة مريم:12)

وهناك ما وصف به عيسى نفسه: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}

(سورة مريم:30)..

وقال سبحانه لسيد البشر محمد في مقام الامتنان:

{وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}

(سورة النساء:113)

من د. أكرم حجازي

كاتب وباحث أكاديمي، ومراقب لأحوال الأمة، وقضايا العالم الكبرى