كان تحويل القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام بعدَ مقدمِ رسولِ الله المدينة المنورةَ بستةَ عشر شهرا أو سبعةَ عشر، وكان ذلك في منتصف رجبِ أو منتصف شعبان، وكان من الأحداث الجليلة التي لها مكانتها في حياة النبي وأصحابه رضي الله عنهم وفي تاريخ التشريع الإسلامي.

والثبتُ عند بعض أهل العلم أن القبلةَ صُرِفَت إلى البيت المعظَّم في مسجد القبلتين، وهو مسجدُ بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة من الخزرج،

وقد حكى السيد السمهودي رحمه الله في (وفاء الوفا) عن يحيى بن عثمان بن محمد بن الأخنس أن النبي زارَ امرأةً -وهي أم بِشر من بني سلِمة- في بني سلمة،

فصنعَت له طعاما- وذكَر قصةً ثم قال: فجاءتِ الظهرُ فصلى رسولُ الله بأصحابه في مسجد القبلتين الظهرَ،

فلما أن صلى ركعتين أُمِرَ أن يُوجِّه إلى الكعبة، فاستدار رسول الله إلى الكعبة واستقبل الميزاب،

فهي القبلة التي قال الله تعالى «فلنولينك قبلة ترضاها»، فسُمي ذلك المسجد مسجد القبلتين.

وقال محمد بن سعد في كتابه (الطبقات الكبير):

ويقال: صلى رسول الله ركعتين من الظهر في مسجده بالمسلمين، ثم أُمِر أن يوجه إلى المسجد الحرام فاستدار إليه..

وعلى هذا القول كانت صلاةُ رسول الله التي حُوِّلَت القبلةُ خلالها في المسجد النبوي.

ومن المواضع التي وَرد فيها تحويلُ القبلة: مسجد قباء،

فقد أخرج البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قولَه:

بيْنَما النَّاسُ في صَلَاةِ الصُّبْحِ بقُبَاءٍ إذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقالَ: إنَّ رَسولَ اللَّهِ قدْ أُنْزِلَ عليه اللَّيْلَةَ -يعني الوحي-، وقدْ أُمِرَ أنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا،

وكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إلى القِبْلَةِ.. وقد ذكرَ بعضُ أهل العلم أن هذه الصلاةَ كانت فجرَ اليومِ التالي بعد تحويل القبلة في مسجد القبلتين.

وورد مثلُ ذلك أيضا في مسجد بني حارثة من الأوس،

وقد أخرج الطبراني في معجمه الكبير عن أم نويلة بنت مسلم -وقد اختلف في اسمها واسم أبيها بعض الاختلاف- قالت:

صلينا الظهر أو العصرَ في مسجد بني حارثة، فاستقبَلْنا مسجد إيلياء -تعني بيت المقدس-،

فصلينا ركعتين، ثم جاءنا مَن يُحدِّثنا أن رسولَ الله قد استقبَلَ البيت الحرام،

فتحَوَّلَ الرجالُ مكان النساء والنساءُ مكانَ الرجال، فصلينا السجدتين -تعني الركعتين- الباقيتين ونحن مستقبلون البيتَ الحرام،

فحدَّثني رجلٌ من بني حارثة أن رسول الله قال: «أولئك رجالٌ آمنوا بالغيب».

والله تعالى أعلى وأعلم.

من د. جمال عبد الستار

الأمين العام لرابطة علماء أهل السنة