لا تلخص الأخبار والفيديوهات التي انتشرت عن كارثة الزلزال المدمر في تركيا إلا جزءا بسيطا من الفاجعة الكبرى، وفق ما يقول شهود عيان فمن سمع ليس كمن رأى وعاين بأم عينه.

أنين وصرخات استغاثة وجثث في كل مكان.. مدن سويّت بالأرض، وعائلات بأكملها في الشوارع، وتجلس أخرى قبالة منازلها المنهارة، وأملها معلّقٌ بـ”المعجزات.

 

في اليوم الرابع من الكارثة وبينما تواصل فرق البحث والإنقاذ عملها في المقاطعات العشر المنكوبة تتضاءل فرص العثور على أحياء تحت الأنقاض، في وقت باتت الكوارث التي تزامنت مع الزلزال المدمر وتبعته تقطع سبل الوصول وخروج العائلات ومجال تحرك عمال الإنقاذ، وخاصة من مدينتي أنطاكيا وكهرمان مرعش، مركز الزلزال.

 

وارتفع عدد الضحايا في آخر الإحصائيات الرسمية، الخميس، إلى أكثر من 14 ألفا وعدد المصابين إلى 67 ألفا، وأن قرابة 25 ألف من أفراد البحث والإنقاذ يعملون في منطقة الزلزال، وإلى جانبهم هناك 5 آلاف و709 فرد من الفرق القادمة من الخارج.

 

وفي حين أعلنت هيئة إدارة الكوارث والطوارئ “آفاد” انتهاء جهود فرقها في مدينة شانلي أورفة، تتجه جميع الجهود في الوقت الحالي إلى كهرمان مرعش وأنطاكيا، المدينتان اللتان تعرضتا للكم الأكبر من الأضرار، فيما “لا يتخيل أي عقل الأوضاع التي حلت بهما”، حسب كلمات الشاب أيهم، الذي توجه إلى هناك، قبل يومين لنقل عائلته الناجية.

 

قاد الشاب سيارة شحن صغيرة حاملا فيها مواد إغاثية من فرش وبطانيات ومواد غذائية ومستلزمات أخرى، منطلقا من مدينة إسطنبول إلى الجنوب التركي، ويشرح كيف قطّعت الكارثة سبل الوصول إلى هناك: “السفر إلى كهرمان مرعش وأنطاكيا على دماتنا. الطرقات البرية تكسوها الثلوج والصقيع. شاحنات تحمل آليات ثقيلة من كل جانب والممرات الدولية مزدحمة وكأنك في قلب المدينة”.

 

وبالإضافة إلى المواد الغذائية التي يحتاجها المنكوبون في الشوارع حمّل الشاب عبوات كبيرة تحوي محروقات، لكي يضمن استمرار قيادة السيارة بعد وصوله إلى مرعش وأنطاكيا، ويوضح أن محطات الوقود بعد العاصمة أنقرة لا تحوي وقود، وكذلك الأمر بالنسبة للمناطق المنكوبة.

 

وهذه التفاصيل هي جزء من كم كبير من الصعوبات اللوجستية التي باتت تعقّد الكارثة الحاصلة في اليوم الرابع، ويضاف إليها الظروف الجوية التي تشهدها المناطق المنكوبة، منذ أسبوع. ومن المتوقع أيضا وفقا لبيانات الأرصاد الجوية أن تستمر درجة حرارة الهواء في الانخفاض في مناطق الزلزال، وحدوث الجليد والصقيع.

 

عند وصوله إلى كهرمان مرعش حيث نجت عائلته من تحت الأنقاض، شاهد الشاب الكارثة بأم عينه، وشرح كيف أنه كان يسمع أنين الأشخاص العالقين تحت الأنقاض، وأنه لم ير مدينة مشيدة في البداية، وكذلك الأمر بالنسبة “لأنطاكيا التي سويّت فيها المنازل على الأرض”، بينما ينتظر المنكوبون فيها بالإضافة إلى كهرمان مرعش وصول فرق الإنقاذ، من أجل إخراج العالقين.

 

“الكوادر تعمل على إنقاذ من يسمعون أنينه. أنطاكيا وكهرمان مرعش على الأرض. البلد منكوب. الدولة كلها بمناطق الزلزال. كل شخص يعمل على ما يعرفه. وكثيرون يبحثون عن الأحياء معلقين بالمعجرات. الآلاف مازالوا تحت الأنقاض”، بحسب الشاب.

 

وكانت الحكومة التركية قد أعلنت رفع حالة الإنذار إلى المستوى الرابع، وطلبت مساعدة دولية، فيما أعلن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان بعد ساعات “حالة طوارئ” في المقاطعات العشر المنكوبة.

 

ولم يسفر الزلزال عن انهيار مبانٍ بأكملها على رؤوس ساكنيها، بل خلّف حالة من الشلل الكامل في الساعات الأولى، بعدما تضررت مطارات الولايات الجنوبية، ليقتصر الوصول إلى هناك على طرقات البر، ومن خلال البحر، إذ أعلنت وزارة الدفاع التركية دخول عدة سفن تتبع لها على الخط، من أجل إسعاف المصابين.

 

في المقابل وعلى مدى الأيام الثلاثة الماضية حشد متطوعون أتراك وسوريون في جميع أنحاء البلاد لمساعدة الضحايا والمنكوبين، بما قد يسد وبشكل أولي تداعيات الفاجعة التي باتوا يعيشون فيها، ولاسيما أن الكارثة الحاصلة لم تستهدف مدينة واحدة أو اثنتين بل توسعت رقعتها الجغرافية، لعشر مقاطعات، وهو ما ضاعف من تداعياتها، وأخّر وصول الدعم الفوري، من جانب عمال البحث والإنقاذ.

 

مدن أشباح

“هناك العديد من الحوادث على الطرق. معظم محطات الوقود لا تحتوي على محروقات. أبنية مهدمة والشوارع المغلقة بالركام في ظلام دامس وسكان يتجمعون حول حرائق أشعلوها للحصول على دف. أنطاكيا وكهرمان مرعش مدن أشباح بكل معنى الكلمة”، كما يقول خالد وهو أحد السائقين الذي توجهوا إلى هناك، لنقل شحنة من المواد الإغاثية.

 

ويشرح الشاب كيف أن توابع الزلزال المستمرة باتت مصدر قلق كبير بالنسبة للعائلات الناجية في الجنوب التركي، وكذلك الأمر بالنسبة لفرق البحث والإنقاذ، والتي باتت “منهكة” في اليوم الرابع من حلول الكارثة.

 

حاول خالد الوصول إلى كهرمان مرعش عبر طريق غازي عنتاب السريع، ومع ذلك، بسبب تدمير الجسور، تم إغلاق الطريق السريع القادم من العثمانية، ما دفعه للاعتماد على الطرق الثانوية “المغلقة إلى حد ما بسبب الازدحام”.

 

“الجميع ينتظر المعجزات. الدولة بكاملها تعمل لكن حجم المصاب كبير جدا ولا يحتمل. كل من هناك مربّط والعجز يخيم على كل شيء”، وفق تعبير الشاب.

 

وكان إردوغان قد وصل إلى المناطق المنكوبة بالزلزال، الأربعاء، وتعهد باتخاذ “جميع الخطوات الضرورية” و”توحيد الدولة والأمة”، وأعلن من منطقة كهرمان مرعش أنه تم تحديد ميزانية من قبل وزارة الخزانة والمالية للمتضريين، وأنه سيتم تسليم 10 آلاف ليرة لكل أسرة منكوبة.

 

وفي كلمة له الخميس قال: “كدولة، كنا في الميدان مع جميع مؤسساتنا منذ الزلزال”، وأن “حالة الطوارئ في المقاطعات العشر ستدخل حيز التنفيذ بالتصويت الذي سيعقد في البرلمان”.

 

ويوضح هشام جوناي وهو باحث سياسي تركي ونجت عائلته في أنطاكيا أن “هناك تقطع سبل كبير في كل شيء وفي وسائل التواصل. مطار أنطاكيا فيه شرخ وتصدعات”، بينما تعمل بلدية أنقرة على إصلاح مدارجه المتضررة.

 

“التأخر الحاصل غير مقبول. نعم هناك ظروف استثنائية وعاصفة ثلجية، لكن أعتقد أن هناك تأخير في إيصال المساعدات إلى المناطق المنكوبة وخاصة إلى أنطاكيا وكهرمان معرش”.

 

ويقول الباحث: “72 ساعة بعد الزلزال مهمة لإنقاذ الناس أحياء. هذه المرحلة تجاوزناها وننتظر معجزات، لإخراج العالقين على قيد الحياة”.

 

ونقلت وسائل إعلام تركية، الخميس، عن ميقداد كادي أوغلو، عضو هيئة التدريس في هندسة الأرصاد الجوية وأستاذ قسم إدارة الكوارث قوله إن “تدمير المباني العامة والمستشفيات ومباني البلدية يجعل الكارثة غير قابلة للإدارة”.

 

وأشار كادي أوغلو إلى أن الأحوال الجوية في مركز الزلازل سيئة، موضحا: “يستمر هطول الأمطار في بعض الأماكن، بينما يصبح الطقس متجمدا في الأماكن التي يتوقف فيها هطول الأمطار، مما يزيد من مخاطر انخفاض درجة الحرارة والصقيع”.

 

“الظروف الطبيعية التي نعيش فيها، الصقيع البارد وانخفاض درجة حرارة الجسم تحدٍ وتعقد هذه الفترة بشكل أكبر، كما أنها تؤثر على العمل والمواصلات في منطقة الكارثة، مما يجعل فرق الإنقاذ والبحث في سباق مع الزمن والبرد”، وفق الخبير.

الأمة ووكالات