أظهرتهما ظروف تشكيل الحكومة 37 والتي تم تنصيبها اليوم 29-12-2022

الأول:

اتساع دائرة الشقاق داخل البِنية السياسية الصهيونية إلى درجة التشظي والتشرذم، والتي بلغت حدًّا أن تُقام المظاهرات على باب الكنيست ضد الحكومة قبل تنصيبها وأثناء التنصيب وبعد التنصيب!

بل بلغ الشقاق بهم إلى القدر الذي لم يتمكن فيه رئيس الحكومة نتنياهو من إكمال كلامه في الكنيست من كثرة المقاطعات والاتهامات، حتى إنَّه نزل مرتين من على المنصة ثم عاد، ولم يتوقف صراخ النواب أثناء الجلسة.

وقد جاء هذا بعد أسابيع من التراشق الإعلامي والسباب وسيول الشتائم والاتهامات.

والمثير للعجب أنَّ هذا التمزق الذي ينخر في جسد الدولة يأتي مع توهم كثيرٍ من المسلمين أنَّ اليهود قوم مجتمعون متوحدون، وصدق الله تعالى إذ يقول: {تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى}.

والثاني:

سيطرة القوى الدينية على المشهد في سياق صفقاتٍ مُخزية.

خذ بعض ما رشحت عنه الاتفاقات الائتلافية في الأسابيع الماضية مع القوى الدينية من أجل انضمامهم إلى الحكومة سعيًا في إمكان تشكيلها بأيِّ سبيلٍ اتفق:

1- وافق نتنياهو على طلب الحركات الدينية التي ستشارك في حكومته منح 30 ألف دولار لكل عائلة لمساعدتها في شراء شقة سكنية.

2- في غضون 90 يومًا ستقرر الحكومة تدشين مدينة دينية للحركات الدينية.

3- يعامل طالب العلوم الدينية ودراسة التوراة كما يعامل الجنود في ثكناتهم العسكرية، بحيث يُعطى كل طالب شهريًّا حوالي 500 دولار، مع الإعفاء من الخدمة العسكرية.

4- يلتزم نتنياهو بسن حكومته لقانون يُلزم جميع المدارس بتدريس التوراة بما في ذلك المدارس العلمانية.

5- حصل التيار الديني على 15 حقيبة وزارية منها 8 وزارات يتولاها حاخامات، ومن بين تلك الوزارات: وزارة الداخلية والصحة والمالية والأمن الوطني.

6- ستقوم الحكومة بمراجعة 3000 برنامجٍ تعليمي لفحص مدى إسهامها في تعزيز الشعور بالهوية اليهودية.

7- وافق نتنياهو أخيرًا على تزويد البلدات الدينية أيام السبت بكهرباء حلال؛ أي: أنها كهرباء لم يتم إنتاجها يوم السبت الذي لا يجوز فيه العمل، بل تم إنتاجها قبل ذلك وتخزينها ببطاريات، ومن ثم تصل إليهم، وتكلفة المشروع 29 مليار دولار؛ لما يلزمه من وقود ومخازن وبطاريات وغير ذلك.

هذا وقد صرحت وزارة المالية أنَّ تكلفة الاتفاق بين حزب الليكود وبين «يهودوت هتوراة» يقدر بنحو 20 مليار شيكل سنويًّا!

وهذا يعني أن نتنياهو بحزبه ومن يدور في فلكه استعدوا أن يُدخلوا أنفسهم في نفقٍ لا ينتهي مقابل تشكيل الحكومة.

وفي هذا السياق حذَّر ليبرمان من مغبة انهيار الاقتصاد الإسرائيلي بسبب الاتفاقات الائتلافية.

وصرَّح لابيد رئيس الحكومة منهية الولاية أن نتنياهو وافق على قانون تدريس التوراة وقَبِلَ شروط الحركات الدينية من أجل الإفلات من المحاكمة في قضايا فساد، بحيث صار مستعدًّا للموافقة على أيِّ قانونٍ يرغبون فيه توصلًا إلى مصالحه الشخصية.

وبعد الذي قأت عيناك لعلك أدركت بوضوحٍ أنَّ التيار الديني داخل الكيان الصهيوني يستغل حاجة حزب الليكود الوصول إلى ائتلاف يمكنه من تشكيل الحكومة في فرض رؤاه الدينية، ويبتز الدولة للتحصل على ما يمكن التحصل عليه من المصالح المادية، مع أنَّ القوى الدينية لا تمثل أكثر من 25 % من المجتمع الصهيوني.

وهذا درسٌ لمن يبذل أقصى جهدٍ ممكن من أجل تحييد الإسلام عن معركتنا مع الغرب، ويسعى في الانضواء تحت مقررات الثقافة العالمية كالليبرالية والعلمانية، وما يُروَّج كذبًا من شعارات المواطنة والحرية والمبادئ الإنسانية، حتى صرنا نرى دولًا مسلمة تنزع عنها اللباس الإسلامي لصالح الثقافة الغربية ولصالح التطبيع والمجون والفجور.

ولكن ها هنا كلمةٌ مهمة:

إنَّ الكيان الصهيوني قام في الأساس على أساسٍ ديني؛ إذ كان هذا هو المسوغ لوجوده على أرض فلسطين، فلم تكن فلسطين قبلةً لازمةً لهم في إطار حل مشكلتهم القومية يومئذ، والتي كان هرتزل يسعى في حلها، ولكن أرادت بريطانيا الاستفادة من المنطلقات العقدية لتتمكن من إرجاعهم إلى فلسطين.

وبهذا تُحل المشكلة اليهودية، ويتحقق للغرب مراده من وجود دولة وظيفية ترعى مصالحه في الشرق، فضلًا عن الاستراحة من شر اليهود وخبثهم ودسائسهم.

فالمنطلق العقدي لم يكن حاضرًا بالأساس عند هرتزل، وإنما التقت المصلحة السياسية والاقتصادية للغرب مع الخطوط العقدية اليهودية فتم توظيف الدين في تحصيل تلك المصالح.

وقادة الكيان اليوم بما يقومون به فإنهم يقترفون ما لا يُحصى من الموبقات السياسية والأخلاقية في سبيل تشكيل الحكومة في أعقاب التشظي الخطير الذي بات يفتك بهم.

وصفوة القول:

إن الكيان الصهيوني يتآكل اليوم داخليًّا تآكلًا سريعًا، وهو أبعد شيءٍ عن الدين، بل يكثر فيه الملحدون كثرة فاحشة، ولكن تياراته الدينية تستخدم الدين في توظيفٍ قذرٍ للوصول إلى المصالح، حتى صار صفقةً يأكلون منها ويشربون، على أنَّ نفس هذه التيارات الدينية بينها من الصراعات والتناقضات ما بينها.

ولا شكَّ أنَّ ضعف عدونا قوةٌ لنا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

وكتبه:

د. محمد بن محمد الأسطل

ليلة الجمعة 5-6-1444 هـ، الموافق 29-12-2022

من وليد كسّاب

عضو اتحاد كتاب مصر