أكد الخبير الاقتصادي المصري الدكتور عبد الحافظ الصاوي أن السياسات الاقتصادية المتبعة من قبل الحكومة المصرية المتمثلة في خفض سعر الجنيه وزيادة نسبة الفائدة والمراهنة علي الأموال السائلة تهدد بتفاقم المشكلة واستمرار أزمة مصر الاقتصادية خصوصا أن وصفات صندوق النقد مجرد مسكنات لا تسمن ولا تغني من جوع.

لم يستبعد الخبير الاقتصادي في حوار مع «جريدة الأمة الإليكترونية»، أن تؤدي هذه السياسات إلي أدخال شرائح جديدة من المصريين لأحزمة الفقر مع استجابة الحكومة لشروط صندوق النقد المتمثلة في رفع أسعار الخبز والمحروقات مشيرا إلي أن النظام لم يعد يعبأ بأي ردود فعل شعبية حيث تجاوز هذا الأمر وغدا رهانه فقط علي غصا الأمن الغليظة.

المراهنة علي الأموال الساخنة لعب بالنار ويقاقم  الأزمة الاقتصادية في مصر

مضي للقول هذه السياسات التي يصر عليها النظام مع غياب الشفافية تهدد باقتراب مصر من السيناريو الأرجنتيني منتقدا في الوقت نفسه غياب الإرادة السياسية والرغبة الجادة في إصلاح المشكلات الهيكلية التي تعاني منها مصر منذ سنوات والتركيز فقط علي محاولات تهدئة الأزمة التي قد تقود في النهاية للانفجارو مواجهة النظام تداعيات غير محمودة العواقب

الحوار مع الخبير الاقتصادي المصري الدكتور عبدالحافظ الصاوي تطرق لقضايا نعرضها بالتفصيل في السطور التالية

♦ تبدو الخيارات صفرية امام النظام المصري للخروج من أزمته فلم يعد أمامه سوي بيع أصول الدولة كيف تقيم هذا الطرح ولماذا شجع عليه صندوق النقد وحث دول الخليج علي الإسراع بشراء هذه الاصول؟

•• للأسف الشديد تبدو كذلك كون النظام  يتعامل مع الازمة بنفس الآليات التي هوت لمصر لهذا المنحدر السحيق ويكرر نفس الأخطاء التي وقع فيها في الماضي من خلال الاعتماد علي الأموال الساخنة التي راهن عليها في السابق ويراهن عليها حاليا.

المطالبة بتقليص النشاط الاقتصادي للجيش مجرد محاولة لتلميع الوجه القذر لصندوق النقد

حيث تدفقت هذه النوعية خلال الأيام الماضية بنحو ما يقرب من مليار دولار وذلك بعد قيام النظام برفع سعر الفائدة وتخفيض قيمة الجنيه المصري للحصول علي مزيد من هذه الأموال مع الاستمرار في تنفيذ أجندة صندوق النقد الدولي لاسيما فيما يتعلق بخصخصة الشركات العامة سواء لدول الخليج أو لغيرها.

وإن كان الخليجيون يحرصون علي التواجد في السوق المصرية نظر لكبر حجم هذه السوق والعروض السخية المقدمة لهم التي تؤهلهم لشراء شركات وكيانات اقتصادية كبيرة بأسعار زهيدة.

النشاط الاقتصادي للجيش

♦ باعتقادك هل النظام المصري قادر علي تنفيذ مطالب صندوق النقد بتقليص دور الجيش في الاقتصاد وهل ستسمح المؤسسة العسكرية بالمساس بما يسمي عرق الجيش والخروج من المشهد الاقتصادي؟

•• فيما يتعلق بتقليص الأنشطة الاقتصادية للجيش فقد لجأ صندوق النقد للتمسك بهذا الطلب كنوع من التلميع لوجهه القبيح لاسيما انه في الوقت الذي تعلن  فيه مصر عن طرح بعض شركات الجيش مثل وطنية واحد شركات المياه المعدنية فإننا نلحظ لجوء الجيش الي تأسيس شركات جديدة مثل شركات الألبان في الإسكندرية فضلا عن غيرها من الشركات بالإضافة إلي أن الجيش ليس منخرطا فقط علي بعض المشروعات الموجودة في السوق المصرية.

مصر تملك مقومات الخروج من الأزمة وتعليق الأزمة علي شماعة الخارج لا يفيد

 لكنه متغلغل كذلك وممسك بمفاصل الاقتصاد المصري في مجالات المقاولات والإنشاءات والتوريدات فضلا عن قيام وزارة الإنتاج الحربي بإبرام عدد من بروتوكولات التعاون مع الوزارات والهيئات الحكومية.

الازمة الاقتصادية في مصر

♦ هناك عديد من المطالب التي شدد صندوق النقد الدولي علي ضرورة قيام السلطات المصرية بتنفيذها للحصول علي أقساط القرض فهل يبدو النظام قادرا علي دفع الثمن السياسي لهذه المطالب؟

•• بالفعل النظام المصري حصل علي الشريحة الأولي من قرض صندوق النقد وان كان القرض البالغ قدره 3 مليارات دولار ممتدا  لـ 46 شهرا علي شرائح حتي يضمن تنفيذ السلطات المصرية لالتزاماتها المتفق عليها .

أما مسالة الثمن السياسي الواجب علي النظام دفعه نتيجة التزامه بتنفيذ اشتراطات صندوق النقد الدولي فمن الثابت أن النظام قد تجاوز هذه المسألة منذ عام 2014 مرورا بإجراءات 2016 القاسية منذ هذه التواريخ والنظام لا يعبأ من قريب أو بعيد بردود الفعل الشعبية بقدر تعويله علي عصا الامن الغليظة وتهديد الشعب بالاعتقال.

وصفة صندوق النقد مجرد مسكنات ولا تقدم حلولا جذرية لمشاكل الاقتصاد المصري

 وبالتالي يمكن أن يلجأ النظام لإجراءات خاصة بالدعم ورغيف الخبز والوقود وكذلك التخلص  أصول الشركات وهي إجراءات سيسير فيها النظام بلا تريث اعتمادا علي القبضة الامنية فقط مع تجاهل اي غضب شعبي مادام يستطيع السيطرة عليه.

‏ مصر والنموذج الأرجنتيني

حذر العديد من الخبراء الاقتصاديين من اقتراب مصر من السيناريو الأرجنتيني عام ٢٠٠٠ باعتقادك.. هل نحن قريبون من هذا السيناريو وما تبعاته الاقتصادية؟

والاجتماعية؟

•• مسألة القرب والبعد عن النموذج الأرجنتيني ليس الأمر المحوري وإنما المشكلة  تتعلق بأن الأوضاع في مصر تزداد سوءا فيما يتعلق بالمؤشرات المالية مثل انخفاض سعر صرف الجنيه ورفع سعر الفائدة ومعدلات التضخم وعجز الموازنة العامة للدولة ومعدل الدين العام في شقيه الداخلي والخارجي وبالتالي الاقتراب من النموذج الأرجنتيني ليس بمستبعد لكن المسألة هنا محكومة بمعايير الشفافية لتحديد مدي قربنا او ابتعادنا عن هذا النموذج.

في هذا السياق ما المظهر الجوهري للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر؟

‏•• القضية هنا لا تتعلق بقربنا او بعدنا عن النموذج الأرجنتيني ولكن تبقي الأزمة

النظام تجاوز جميع الخطوط الحمراء وقدم فقراءمصر قربانا لخطب ود صندوق النقد

أن الحلول التي تقدم عليها الحكومة والتي يقدمها صندوق النقد لا تشكل حلولا جذرية لمشاكلنا بقدر ما هي مسكنات قد تسهم فقط في تهدئة الأمور في ظل مؤشرات اقتصادية متراجعة مع بقاء المشكلة الرئيسية دون حل جذري.

 ومن ثم فالمشكلة هنا أن السلطات المصرية تعلم تماما العلاج الجذري المشكلة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تعاني منها ولكنها لا تقدم عليها بل تكتفي بالمسكنات التي لا تغني ولا تسمن من جوع.

الفقر يحاصر المصريين

رغم التبعات شديدة السوء لما يسميها النظام بالمشاريع القومية العملاقة علي الاقتصاد المصري طوال العقد الماضي الا ان النظام يبدو متمسكا لها رغم قسوة الازمة هل من تفسير الاصرار علي هذه المشاريع؟

‏•• المشروعات المسماة بالقومية التي نفذها النظام طوال السنوات التسع الماضية والتي تمثل جزءا  كبيرا من أزمة مصر الاقتصادية والمالية والتي مولت من موارد غير ذاتية والتي يتم الحصول عليها عبر مساعدات دول الخليج  أو من خلال القروض.

المؤسسة العسكرية متغلغلة في المفاصل الاقتصادية للدولة والحديث عن بيع بعض شركاته محاولة للالتفاف علي شروط الصندوق

ومن ثم فإن النظام بين خيارين شديدين الصعوبة فاستمرار هذه المشروعات سيفاقم  من حدة الازمة وفي نفس الوقت وقف هذه المشروعات سيحمل مصر شروطا جزائية وتبعات خطيرة  فمصر مضارة في الحالتين كون هذه المشروعات كانت تليق بدولة ذات فوائض مالية وبالتالي يجري البحث عن مشروعات تستوعب هذه الفوائض وليس تمويلا من خلال المساعدات والقروض الأجنبية.

♦ كيف تري تأثيرات الرهان علي وصفة صندوق علي الاغلبية الساحقة من المصريين سواء علي مستوي الانفاق او المعيشة وكيف سيتعاملون مع هذه التبعات؟

•• الضغوط المعيشية الشديدة التي تواجه أغلب المصريين يتم التعامل معها عبر نوع من ضبط الاتفاق عبر الاستغناء عن بعض السلع والتخلي عن عدد من الكماليات ولكن ذاك يقابل بعجز كبيرعن مواجهة الاحتياجات الضرورية بالنسبة لشريحة كبيرة من المجتمع بالتزامن مع انضمام شرائح واسعة جديدة  لأحزمة الفقر يوما بعد يوم.

صحيح أن هذا الأمر لم يصل لحد الانفجار لكن هذا الانفجار يبدو قريبا وهذا ما نشاهده يوميا عبر شبكات التواصل الاجتماعي من صراخ من ممارسات النظام  وما تشهده المواصلات العامة والتجمعات من الإعراب عن السخط عليه وهي أمور لن تمر مرور الكرام.

بل في لحظة ما قد تصل ألي الانفجار ومواجهة عواقب غير محمودة ولو كان لدي النظام شىء من التعقل لتريث في كثير من والخطوات حتي تهدأ الأزمة وبل لجأ لمقاربات ومعالجاته صحيحة تليق بشعب مصر.

هذه هي سبل تجاوز الاقتصاد المصري لعنق الزجاجة وتجربة مهاتير محمد الثانية قد تشكل طوق النجاة
السيسي وبن زايد

♦هل تملك مصر مقومات الخروج من الأزمة هل تستطيع المسكنات الخليجية مساعدة البلاد علي تجاوز عنق الزجاجة؟

•• مصر تمتلك المقومات التي تساعدها علي تجاوز هذه الازمة لكنها لا تملك الإرادة السياسية القادرة علي الاتجاه في المسار الصحيح وتجاوز هذا المأزق عبر الأليات الصحيحة المتمثلة في القضاء علي الفساد وعودة الجيش لثكناته وتمكين القطاع الخاص والمدني من المشروعات التي هيمن عليها الجيش خلال السنوات الأخيرة ومراجعة كثير من الاتفاقيات الدولية

الاستجابة لمطالب صندوق النقد لن تمر مرور الكرام والوصول لمرحلة الانفجار غير مستبعد

التي تم التوقيع عليها بحيث يتم الاستغناء عما يمكن الاستغناء عنه وتطبيق تجربة مهاتير محمد عندما عاد لرئاسة وزراء ماليزيا للمرة الثانية عندما أوقف العمال باتفاقيات وقعتها الحكومة السابقة لتنفيذ عدد من مشروعات البنية الأساسية مع الصين تتجاوز ٤٠ مليار دولار فخفف عن كاهل بلاده تلك الأعباء

وبالتالي فمراجعة الاتفاقيات الموقعة في الفترة الأخيرة امر ضروري للوقوف علي ما تم فيها طبقا لأطر فساد أو شروط لا تتناسب مع الاوضاع في مصر وظروف الحالة المصرية

وصفات الصندوق بين الحلول والمسكنات

♦هل تري اي نقاط إيجابية من برنامج صندوق النقد الدولي لإخراج البلد من ازمتها ام انه يقرب البلاد فقط من السيناريو الأرجنتيني؟

•• شروط صندوق النقد ليست مبهمة أو لم يتم الإفصاح عنها لكن علي العكس أجندة معروفة منذ عقود طويلة والصندوق لديه وجهة نظر في معالجة المشكلات التي تجابه الاقتصاد المصري وغيره وهو يدرك جيدا المشكلات الحقيقية التي يعاني منها اقتصادنا كما قالت مديرته الحالية حيث أشارت الي ان الحرب في أوكرانيا قد كشفت عن الأزمة الحقيقية التي يعاني منها

وبالتالي فبرنامج الصندوق كان يستلزم حضورا مصريا قويا يتمثل في استحضار تجاربها السابقة مع الصندوق سواء عامي 1991و2016حيث كان يجب تأهيل مصر لأوضاع اقتصادية صحيحة تجنبها التعرض لهذه الازمة وتداعياتها  مثل ازمة كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا.

رفع أسعار الخبر والوقود مرجح ولهذه الأسباب يحرص الخليجيون علي شراء الأصول

ولكننا وجدنا الحكومة تعلق كل أخطائها علي شماعة الخارج فبعد 6 أشهر من ازمة كورونا وجدنا الحكومة تلجأ للصندوق للحصول علي 8 ونصف ال المليار دولار وبعد 10 أشهر من الحرب الروسية في أوكرانيا وجدنا النظام في حالة اهتراء مالي كبير  تطلب القرض الاخير من الصندوق  وبشروط هي محل تنفيذ الآن دون معالجة جادة الأزمات والمشكلات الحقيقية التي يعاني منها الاقتصاد المصري.

من د. أنور الخضري

مدير مركز الجزيرة للدراسات العربية بصنعاء - اليمن