شكلت زيارة مدير المخابرات المركزية الأمريكية وليم بيرنز لليبيا ولقاؤه لرئيس حكومة الوفاق الوطني عبدالحميد الدبيبة وقائد مليشيا الكرامة خليفة حفتر إعلانا رسميا لعودة الاهتمام الامريكي بمجمل الاوضاع في ليبيا وتراجع السياسية الامريكية التي شهدت خلال السنوات الماضية رهانا علي عدد من الحلفاء لإعادة الاستقرار البلد الغني بالنفط وهو ما فشل فيه الحلفاء فشلا سريعا حيث ركزوا علي الاهتمام بمصالحهم اكثر من سعيهم لإنقاذ ليبيا من براثن الفوضى

‏زيارة بيرنز لطرابلس ببنغازي ألقت الضوء علي طبيعة الاستراتيجية التي تنوي أدارة الرئيس الأمريكي جو  بايدن التعامل بها مع تطورات الأوضاع في ليبيا والتي ظهرت واضحة في تأكيد بيرنز لمضيفيه الليبيين علي مجموعة من اللاءات التي تكشف تفاصيل الرؤية الامريكية لمستقبل هذا البلد العربي المترامي الأطراف أولها انه لا استمرار   للأوضاع الحالية في ليبيا ولا تأجيل جديد للانتخابات الرئاسية والعامة ولاتقسيم البلاد تحت اي مسمي.

لاءات بيرنز للفرقاء الليبيين ودول الجوار

‏ومن اللاءات التي حملها بيرنز “لا” واضحة لحكومة فتحي باشاغا التي شكلها ما يعرف برلمان طبرق بضوء اخضر من مصر والإمارات وهو ما يشير بقوة لدعم امريكي مفتوح لحكومة عبدالحميد الدبيبة التي تراهن عليها واشنطن لإعادة الاستقرار في ليبيا  في المرحلة القادمة وتهيئة الاوضاع لإجراء الانتخابات في جميع أنحاء ليبيا وهو دعم بدا واضحا في مطالبة بيرنز لحفتر في التعامل مع حكومة الدبيبة ومساعدتها حكومته في بسط سلطاتها ونفوذها في  كافة أراضي ليبيا  لإجراء الانتخابات مع قيام قوات حفتر بتأمين العملية الانتخابية في مناطق الشرق والجنوب وضمان إتمامها دون وجود ما يعكر الصفو.

‏ولم تتوقف اللاءات التي حملها بيرنز الفرقاء الليبين عند هذا الحد  بل امتدت الي مطالبة حفتر  بضرورة إخراج المرتزقة الروس “الفاجنر” الذي جلبهم  من روسيا وهو ما يعد أبرز فيتو امريكي علي النفوذ الروسي المتصاعد في ليبيا والذي تصاعد علي وقع الانقلاب الذي تورط فيه حفتر بدعم من محور الشر العربي الذي بذل كافة الجهود لإفشال ثورة السابع عشر من فبراير وتمكين العسكر مجددا من مفاصل الدولة الليبية بشكل يؤكد ان واشنطن تعتبر ليبيا من ساحات تقليص النفوذ الروسي في المنطقة في ظل اشتداد الصراع مع موسكو منذ بداية غزوها للأراضي الأوكرانية .

المشري وعقيلة صالح والدبيبة

‏: من الرسائل التي حملها بيرنز الفرقاء الليبيين انها لن تقبل باي شكل من  الأشكال اي مساس بحقوق  النفط وموانئه وانها لن نتسامح مع اي تقليص الصادرات ليبيا من النفط مما يؤشر لرهان واشنطن علي  ثروات ليبيا النفطية لتغطية جزء من نقص الامدادات الروسية خصوصا لبلدان الاتحاد الأوروبي في ظل  الأجواء الباردة التي تضرب القارة العجوز حاليا ولهذا جاءت الرسالة الامريكية واضحة لحفتر بان سيكون عرضة لعقوبات امريكية حال توقف انتاج النفط او وقوف قواته علي عرقلة انسيابه للأسواق الدولية أو تراجع معدلات تصديره .

‏ من الواضح من لاءات ورسائل بيرنز لحكومة الدبيبة والفرقاء الليبيين ان واشنطن قد أوصلت رسالة واضحة كذلك لكل دول الجوار والقوي الاقليمية بان تكف ايديها عن التدخل في  المشهد الليبي وان واشنطن لن تغفر لهذه الدول بما فيها حلفاؤها أي  تدخل يهدد جهودها لإعادة الاستقرارها بل وأكدت لهم بشكل واضح أنها عائدة بقوة للعب دور بارز في الملف الليبي ينهي الصراعات والمحاور التي شهدتها البلاد منذ إسقاط القذافي مؤكدة وجود توجه بالانخراط بقوة في هذا المشهد لإنهاء هذه السنوات من الصراع والاقتتال الداخلي عبر توحيد المؤسسات وإجراء الانتخابات .

رسالة واشنطن الواضحة وصلت العواصم المعنية بشكل واضح حيث تلقفتها مصر التي  سعت بكل الوسائل لجمع الفرقاء الليبيين في القاهرة التي احتضنت اجتماعات المشري وعقيلة صالح ومن بعدها لقاءان لكل من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي وقائد مليشيا الكرامة خلفة حفتر حيث سعت القاهرة الظهور بمظهر الحريص علي الوصول لتسوية الأزمة الليبية وهو الدور الذي اخفقت في القيام به  حتي الآن في ظل انحيازها لمحور صالح -حفتر  فضلا عن عمق الخلافات بين الأطراف المتصارعة.

واشنطن ودعم الدبيبة وإجراء الانتخابات

زيارة مدير المخابرات المركزية الأمريكية وليم بيرنز لكل من طرابلس وبنغازي أوضحت بجلاء عزم واشنطن إنهاء ما يقرب من 12عاما من الفوضي والاقتتال بين الفرقاء الليبيين باعتبار ذلك الاستقرار محققا لمصالحها في ليبيا وخصوصا ثروتها من النفط والغاز والتي تراهن عليها لحل أزمة النفط والغاز في أوروبا ناهيك عن تقليص نفوذ روسيا في هذه البقعة المهمة من البحر المتوسط وهو مسعي يؤكد أن واشنطن ستعمل علي إزالة كافة العقبات أمام إجراء الانتخابات وتوحيد المؤسسات الدولية وكف أيدي دول الإقليم عن العبث بالداخل الليبي وهو دور تبدو واشنطن قادرة علي القيام به متي أمتلكت إدارة أوباما العزيمة والإرادة للوصول لتسوية تنهي المأساة الليبية .

الانتخابات في ليبيا

وفي هذا السياق يري المحلل السياسي الليبي عصام الزبير بأن زيارة بيرنز والرسائل القوية التي أوصلها للفرقاء الليبيين يؤكد أن واشنطن قد عادت للاهتمام بالوضع ليبيا بعد أن ثبت لها خطأ سياساتها بالاعتماد علي دول الجوار وحلفاء إقليميين لإحداث التسوية حيث رصدت واشنطن اهتمام هذه الأطراف بمصالحها وفرض أجندتها فقط مع الضرب بعرض الحائط لكل محاولات إعادة الاستقرار لليبيا .

 ورجح الزبير قيام بيرنز بتوصيل رسائل دعم واضحة لحكومة الدبيبة باعتبارها القوة المعترف بها الوحيدة في البلاد والقادرة بدعم أمريكي علي إجراء الانتخابات في كل الأراضي الليبية وهو ما يؤكد ان واشنطن تقف وبقوة وراء إجراء الانتخابات وتأمينها في جميع المناطق وبل إلزام جميع الأطراف للقبول بنتائجها وهي الرسالة التي نقلت بشكل واضح لكل من حفتر وحلفائها الإقليميين.

ولفت إلي أن بيرنز طالب حفتر بضرورة إخراج الفاجنر من ليبيا باعتباره أنه لا يمكن إجراء انتخابات في البلاد مع وجود هذه المليشيات حيث تعتبرهم واشنطن أداة لتكريس النفوذ الروسي وهو ما لم يمكن القبول في ظل ما تتمتع به واشنطن من نفوذ علي حفتر ومحور الشر الداعم لانقلابه .

واعتبر أن وجود الفرقاء الليبيين في مصر يعكس رغبته في إنقاذ مصر وإظهارها في مظهر الساعي للقيام بتسوية سياسية في ليبيا في ظل رغبة القاهرة في تأكيد مركزية دورهم في المشاهد الليبيي لإدارة بايدن وهو أمر لا يحظي بدعم حكومة الدبيبة ولا القوي الثورية في المنطقة الغربية مشيرا إلي أن القاهرة تحاول عبر هذا الدور إيجاد موطئ قدم لها في المشهد الليبي رغم حالة الارتباك والتناقض التي تحكم مواقفها

من د. أنور الخضري

مدير مركز الجزيرة للدراسات العربية بصنعاء - اليمن