لما احتل الإنجليز مدينة رشيد عام ١٨٠٧م، بواسطة حملة فريزر، فوجئ أهالي المدينة (المسلمين) بالتفوق الكاسح في السلاح والمعدات لصالح الإنجليز، عن طريق البوارج الرابضة في البحر أمام شواطئ المدينة،

والمزودة بالمدافع الحديثة التي استطاعت دك المدينة وإخضاعها وهزيمة الحامية العثمانية القليلة وضعيفة التسليح..

عندئذ فكر المسلمون في وسيلة للمقاومة حسب إمكاناتهم.

اجتمع الناس في المسجد الكبير وتفتق ذهن المصلين المتوضئين القارئين للقرآن عن وسيلة بدائية لا تخطر على بال للمقاومة والجهاد.

حسب الخطة، خرج أهل كل بيت على سطح بيتهم رافعين الثياب والملايات البيضاء (تعبيرًا عن الاستسلام)

وفعلاً بعد أن شاهد الجنود الإنجليز ذلك نزلوا من بوارجهم مطمئنين متسكعين في شوارع المدينة،

وجلسوا يرتاحون تحت ظل المنازل.

في هذه اللحظة كان الأذان ينطلق من المسجد في غير وقت الصلاة، وكانت هذه هي ساعة الصفر،

فخرجت النساء على أسطح المنازل وفي الشرفات ومن النوافذ وسكبن الماء المغلي الذي كانوا قد ملأن به كل الأواني المتاحة في المنازل حسب الخطة،

فانسلخت جلود الجنود الإنجليز، وفروا مذعورين عائدين إلى بوارجهم.

سأل الجنود عن الصوت الذي كان بداية خروج نساء المدينة كلهن في توقيت واحد بهذا السلاح الغريب،

فعرفوا أن الصوت خرج من المسجد، فأمطروا المئذنة بوابل من طلقات مدافعهم فهدموها..

ثم حزموا أمتعتهم عائدين إلى بلادهم مندحرين فاشلين.

وصدق الله العظيم القائل:

[وَٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا۟ فِینَا لَنَهۡدِیَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ]

فالذين نووا الجهاد في سبيل الله وأرادوه وسعوا إليه، سيوفقهم الله ويهديهم إلى سبل ووسائل وطرق فعالة وناجعة ومؤثرة لمواجهة عدوهم وهزيمته.

من د. منير جمعة

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين