(محمود محمد مصطفى بيرم الحريري)

الميلاد: 23 مارس 1893م، الأنفوشي، الإسكندرية

الوفاة: 5 يناير 1961م، حَيّ السيدة زينب، القاهرة

(يوجد تضارب في تاريخ الوفاة: يناير أَم مايو)

جذوره تركية، وانتقلت العائلة لتونس، ثم إلى مصر

(هذا ما قاله لي حفيده ونحن في مبنى اتحاد كتّاب مصر، سنة 2008م، وكان رجلا أنيقا، ملامحه أوروبية، تجاوز الخمسين في ذلك الوقت، ولا أعرف أين هو الآن، فقد سافرتُ للخارج، وتغيّرت أرقام الهواتف، وانقطع تواصلنا..

كان هذا الحفيد، يعتز بمصريته جدا ويدافع عنها، ويرى أن جده كان مصريا حتى النخاع، وليس تركيًّا ولا تونسيًّا، فهو لم يعش في تونس، ولا يتكلم لهجتها، ولا يعرف عنها شيئا)

– لم يكمل بيرم تعليمه بالمعهد الديني في مسجد (المرسي أبو العباس)، وكانت عقدته في الحساب، فقد كان يكره الرياضيات ولا يحب الأرقام، ولذا ترك المعهد.

– ربطت الموهبة بين بيرم المصري (وليس التونسي) وبين سيد درويش، وتعمقت صداقتهما، فكانا لا يفترقان.

– بدأت شهرته عندما كتب قصيدته “بائع الفجل” التي ينتقد فيها المجلس البلدي في الإسكندرية الذي فرض الضرائب الباهظة وأثقل كاهل السكان بحجة  النهوض بالعمران، فيقول فيها:

قد أوقعَ القلبَ في الأشجانِ والكَمَدِ/

هوى حبيبٍ يُسَمّى المجلس  البلدي/

أمشي وأكتمُ أنفاسي مخافة َ أنْ/

يعدّهـا عاملٌ للمجلسِ البلـدي/

ما شَرَّدَ النومَ عن جفني القريحِ سوى/

طيف الخيالِ خيال المجلسِ البلدي/

إذا الرغيفُ أتى، فالنصفُ آكُلُهُ/

والنصفُ أتركُه للمجلس البلدي/

وإنْ جلستُ فجَيْبِـي لستُ أتركُهُ/

خوفَ اللصوصِ وخوفَ المجلسِ البلدي/

وما كسوتُ عيالي في الشتاءِ  ولا/

في الصيفِ إلاَّ كسوتُ المجلسَ  البلدي/

كَــأنَّ أٌمّي بَلَّ اللهُ  تُربتها/

أوصَتْ فقالت: أخوك المجلس البلدي/

أخشى الزواجَ إذا يوم الزفافِ  أتى/

أن يَنْبَرِي لعروسي المجلسُ البلدي/

ورُبَّمَا وَهَبَ الرحمنُ لي ولداً/

في بَطْنِهـا يَدَّعيه المجلس البلدي/

وإنْ أقمتُ صلاتي قلتُ مُفتتحاً/

اللهُ أكبرُ باسم المجلـس  البلــدي/

أستغفرُ الله حتى في الصلاةِ غَدَتْ/

عِبادتي نصفُها للمجلـس  البلـدي/

يا بائعَ الفجلِ بالمِلِّيـمِ واحدةً/

كَم للعيالِ وكَم للمجلسِ البلدي/

– دخل بيرم مجال الصحافة، حيث أصدر  صحيفة (المسلة)، تبعها بعد ذلك بالعمل في عدة صحف مصرية.

– كان بيرم ثوريا مشاغبا، حادا في أشعاره النقدية الساخرة، ولذا تم نفيه إلى تونس، ثم إلى باريس.. وكتب رائعته الشهيرة:

الأوّلة مصر – قالوا: تونسي ونفوني – جزاة الخير – وإحساني

والثانية تونس – وفيها الأهل جحدوني – وحتى الغير – ما صافاني

والتالتة باريس – وفي باريس جهلوني – وانا موليير – في زماني

ويقول:

غلبت اقطّع تذاكر

وشبعت يا رب غُربة

بين الشطوط والبواخر

ومن بلادنا لأوروبا

وقلت ع الشام أسافر

إياك ألاقيلي تُربة

فيها أجاور معاوية

وأصبح حِماية أميّة

جاورت “قاسيون” وجيرته

توحش ولا فيهش حاجة

وعزرائين انتظرته

مجاش وجاني الخواجة

نافخ وسايق إمارته

وقاللي/ شوف السماجة

البَر تحت انتدابنا

اخرج دي ماهيش وسيّة

رجعت للبحر تاني

مقهور وراجع فرنسا

ثم يقول:

وأقول لكم بالصراحة

اللي ف زمانّا قليلة

عشرين سنة في السياحة

بشوف مناظر جميلة

ما شُـفت يا قلبي راحة

في دي السنين الطويلة

إلا اما شُفت البراقع

واللبدة والجلّابيّة

– كان محمود بيرم التونسي ذكيًا يحب المطالعة، تساعده على ذلك حافظة قوية، وكان يتردد على المكتبات، ويقرأ كتب الأدب، ودواوين الشعر والزجل، ومقامات الحريري والهمزاني، وبدأ في تقليدها، وتأثر بسابقيه من أمثال: عبد الله النديم، وعثمان جلال، والقوصي، وإمام العبد، وغيرهم.

– كتب بالفصحى في البداية، ولم يجد تجاوبا، وكان يجيد فنون العربية وعلومها، باقتدار، فاتجه للعامية ليصل للعامة، ولذا قال أحمد شوقي: (أخشى على العربية من بيرم)

– وقامت ثورة 1952 في مصر، ففرح بها بيرم، وأيّدها، وقال فيها الأشعار والأزجال.

وفي عام 1954م، حصل بيرم على الجنسية المصرية، وأصبح من كبار المجتمع المصري

– دخل بيرم المجال الفني فألَّفَ الكثير من الأغاني والمسرحيات الغنائية وتعامل مع أم كلثوم، وفريد الأطرش، وأسمهان، والكحلاوي، وشادية، ومحمد فوزي.. وغيرهم

– قدّمَ العديد من الأعمال الإذاعية، وهو ما دفع الرئيس جمال عبد الناصر، إلى منحه جائزة الدولة التقديرية، عام 1960م.

– وعندما فتحت الدنيا أبوابها لبيرم، وأصبح من نجوم المجتمع المصري، كان الموت يقف بالمرصاد، ورحل عن الدنيا في مثل هذا اليوم.

توبة بيرم:

– بسبب التوهج والشهرة والمال، أُصيب بيرم بـ(لَوثة الفن).. فكتب نصوصًا أطلق عليها: (قرآن بيرم)، يسخر فيها من آيات القرآن الكريم، (يس والدستور العظيم – سورة الستات)

المصدر : كتاب: (بيرم كما عرفته) لـ محمد كامل البنا

ولكنه عاد سريعا، وأعلن توبته، وقال إنه كان يقصد المحاكاة وليس السخرية، وسافر للحج، وعاد لمنطقة السيدة لا يبرحها، وقد اعتزل الناس، وعاش شهوره الأخيرة كلها يقوم على خدمة المسجد: عاملا ومؤذّنا..

وقد كتب وهو في الحج بعد توبته، القصيدة التي غنتها أم كلثوم بعد وفاته:

القلب يعـشق كـل جميل

وياما شفتي جمال يا عين

واللي صدق في الحب قليل

وان دام يدوم يوم واللا يومين

والـلـي هـويته اليوم

دايـم وصـــالــه دوم

لا يعاتـب اللي يتـوب

ولا في طـبـعـه الـلـوم

واحــد مفيـش غيره

مــلا الوجــود نـوره

دعـــانـي لبيتـه

لحـد بـاب بــيـتـه

وامّا تـجـلّالــي

بالــدمـع نـاجـيـتـه

كـنـت ابـتـعد عـنـه

وكــان يـنـادينـــي

ويـقـول مـصـيرك يـوم

تخـضـع لـي وتـجـينـي

طاوعــني يا عـبـدي

طـاوعـنـي انا وحــدي

مالك حبيب غيري

 قبلي ولا بعدي

أنـا الـلـي أعـطـيـتك

مـن غـير مـا تـتـكـلـم

وانـا الـلـي عـلـمـتك

مـن غـير مـا تـتـعـلـم

والـلي هـديـتـه إلـيـك

لـو تـحسـبـه بـإديــك

تـشـوف جـمـايـلـي عـلـيـك

من كـل شـيء أعـظـم

ســلّـم لـنـا تـسـلـم

دعــانـي لــبـيـتـه

لـحـد بــاب بـيـتـــه

واما تـجـلالـي

بـالـدمـع نـاجــيــتـه

مـكـة وفيها جبال النـور

طـالّـة علي البـيـت الـمعمور

دخـلـنا بـاب الـسـلام

غـمـر قـلـوبـنـا الـسـلام

بـعـفـو رب غـفـور

فـوقـنا حـمـام الحِـمي

عــدد نــجـوم الـسـمـا

طـايـر علينـا يـطـوف

ألـوف تتـابـع ألـــوف

طاير يهني الـضـيـوف

بالـعـفـو والـمرحـمـة

والـلـي نـظـم سـيـره

واحــد مـفـيـش غـيره

دعــانـى لـبــيـتـه

لـحـد باب بـيـتـه

واما تـجـلالــى

بالــدمـع نـاجـيـته

جـيـنـا عـلـى روضـة

هــالـة من الـجـنـة

فـيهـا الأحـبـّة تـنـول

كـل الـلـي تـتـمـنى

فيها طرب وسرور

وفـيـهـا نـور عـلـى نور

وكـاس مـحـبـة يدور

والـلـى شـرب غـنـى

ومـلايـكـة الـرحـمـن

كـانـت لـنـا نـدمـان

بالـصـفـح والـغـفـران

جاية تبشّرنا

يـا ريـت حــبـايـبنـا

يـنـولـوا مــــا نـلـنا

يــارب تــوعــدهـم

يــا رب واقــبــلـنـا

دعـــانـي لـبـيـتـه

لـحـد بــاب بـيـتــه

واما تـجـلالـي

بالــدمـع نــاجـيـتــه

——-

يسري الخطيب