انطلقت أعمال “الاجتماع الوزاري الأول لأجهزة إنفاذ قوانين مكافحة الفساد في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي”، الذي تستضيفه المملكة العربية السعودية، ممثلة في هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة)، تحت مظلة منظمة التعاون الإسلامي في محافظة جدة يومي 20 و21 ديسمبر 2022.

ويناقش الاجتماع الوزاري الأول من نوعه لأجهزة إنفاذ قوانين مكافحة الفساد في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، مشروع إقرار “اتفاقية مكة المكرمة”، ويحظى بمشاركة دولية رفيعة المستوى من الوزراء ورؤساء ونواب وممثلي أجهزة إنفاذ قوانين مكافحة الفساد في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، ورؤساء المنظمات الدولية المعنية بمكافحة الفساد منها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ومنظمة الشرطة الجنائية الدولية (الأنتربول)، ومجموعة وحدة الاستخبارات المالية (إيغمونت)، وعدد من الخبراء المختصين في مجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد من داخل وخارج المملكة.

وأكد رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في المملكة العربية السعودية مازن بن إبراهيم الكهموس خلال كلمته في مستهل الاجتماع، على ما توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان من دعم لجهود مكافحة الفساد على المستويين المحلي والدولي، مشدداً على أنَّ موضوع مكافحة الفساد من أهم مرتكزات رؤية المملكة العربية السعودية 2030.

وقال الكهموس إنَّ هذا الاجتماع الوزاري يأتي مفعلاً لميثاق منظمة التعاون الإسلامي الذي نصَّ على مكافحة جرائم الفساد وغسل الأموال والجريمة المنظمة.

وأوضح أنَّ الاجتماع الوزاري واتفاقية مكة المكرمة يعود أساسهما إلى قرار مجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي المنعقد في إسلام آباد مارس الماضي، والذي رحب بمبادرة المملكة العربية السعودية بصفتها رئيسة القمة الإسلامية الرابعة عشرة بعقد اجتماعنا الوزاري هذا، وتضمن إعداد مشروع اتفاقية لمكافحة الفساد في إطار المنظمة وتشكيل فريق من الخبراء الحكوميين لدراسة المشروع تمهيداً لإقراره في هذا الاجتماع.

وأكد أنَّ اعتماد اتفاقية مكة المكرمة من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي يؤسس لمرحلة جديدة لتعزيز التعاون فيما بينها في مجال مكافحة الفساد، بما يخدم مصالحها المشتركة ويحقق لها المزيد من التنمية والازدهار ويجعلها مثالاً يحتذى به في التجمعات الإقليمية والدولية الأخرى.

وأشار إلى أنَّ الاتفاقية تعكس إدراك الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي كثاني أكبر تجمع دولي بعد الأمم المتحدة بأن الفساد من الجرائم العابرة للحدود ومن ثم لا يمكن مكافحته بفعالية دون التزام الدول بالتعاون فيما بينها وذلك بهدف الكشف عنها والحد من الملاذات الآمنة للفاسدين وأموالهم وإعادة الأموال المنهوبة إلى بلدانها الأصلية.

واختتم الكهموس كلمته بالقول: “نتطلع في اجتماعاتنا هذه لتجسيد العلاقات المتينة بين الدول الإسلامية وتحقيق الأهداف المرجوة بما يحقق تطلعات قادتنا”.
من جانبه، أكد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه أنَّ “اتفاقية مكة المكرمة” تمثل الإطار الملائم الأهم لمنع الفساد ومحاربته في الدول الأعضاء في المنظمة، من خلال آليات فعالة للمنع، وإنفاذ القانون، والتعاون الدولي، واسترداد الأصول، مشيرا إلى أن الدول الأعضاء بحاجة لآليات قانونية تساعد في تعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة لتكريس أسس الحوكمة الرشيدة.
 ودعا للانخراط في مسار مكافحة الفساد من خلال التوقيع والمصادقة على اتفاقية مكة المكرمة للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي للتعاون في مجال إنفاذ قوانين مكافحة الفساد وفقا لأنظمتها القانونية وبما يتماشى مع تطلعات الدول الأعضاء ورؤاهم في مجال مكافحة الفساد.

بدورها، أثنت المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة غادة والي على مبادرة منظمة التعاون الإسلامي لعقد هذا الاجتماع الذي يمثل خطوة مهمة لتعزيز الإطار الدولي لمكافحة الفساد.

 وشددت والي في كلمتها خلال الاجتماع على أنَّ الفساد أصبح تحدياً وجودياً لمجتمعاتنا ففي الوقت الذي يشهد فيه العالم صراعات مسلحة متصاعدة الحدة، وأزمات اقتصادية وصعوبات معيشية علاوة على الأزمة المناخية والبيئة التي تهدد مستقبلنا جميعاً، ينهض الفساد في الأموال والموارد التي نحتاجها لمواجهة هذه الأزمات ويضيف إلى صعوبة التحديات التي تواجهنا.

وكشفت والي أنَّ الفساد يكلف العالم مبالغ هائلة ويقلص من قدرة الدول على توفير الخدمات العامة، فعلى سبيل المثال تشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أنَّ الفساد يُفقِد عقود المشروعات العامة حوالي 10% من قيمتها على مستوى العالم، بما يعادل 1.3 تريليون دولار سنوياً، لافتة إلى أن هذا الرقم يساوي أضعاف قيمة المساعدة الإنمائية الرسمية التي تستقبلها الدول النامية سنوياً.
وأكدت أنَّ الفساد يوجد في القطاعين العام والخاص على حد سواء وفي المجالات المختلفة من الصحة إلى النقل ومن الصناعة والتجارة إلى الرياضة، ويؤثر بالسلب على توسيع وتخصيص الموارد ويؤدي إلى اتخاذ قرارات تستهدف الربح الخاص على حساب الصالح العام.

وشدَّدت على أن الفساد يعد أحد أبرز العوائق أمام تحقيق أجندة التنمية المستدامة 2030، وجميع أهدافها الأمر الذي يمثل أولوية خاصة بالنسبة للعالم النامي والدول أعضاء منظمة التعاون الإسلامي.

وأكدت أنَّ هنالك ضرورة لتعزيز جهود الدول الإسلامية والدول النامية بشكل عام لمكافحة الفساد في كافة القطاعات وبناء وتطوير مؤسسات نزيهة وفعالة قادرة على إنفاذ القانون وقادرة على التعاون الدولي في مواجهة الفساد العابر للحدود الوطنية والتدفقات غير المشروعة ذات الصلة، لافتة إلى أن هذا الاجتماع الوزاري يمثل فرصة حقيقية لاتخاذ خطوات جادة نحو هذا الهدف بإقراره اتفاقية مكة المكرمة حول التعاون في مجال إنفاذ قانون مكافحة الفساد والتي من دون شك ستدعم النظام الدولي القائم في هذا المجال وعلى رأسه اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
بدوره، عبَّر الأمين العام للإنتربول يورغن شتوك عن شكره لهيئة نزاهة والحكومة السعودية على استضافة هذا الاجتماع المهم، مشيراً إلى أن الإنتربول يتعاون مع كثير من المنظمات الإقليمية والدولية بشأن مكافحة الفساد.

من عبدالهادي راجي المجالي

‏كاتب صحفي أردني