الحمد لله والصلاة وبعد: فقد بعث لي بعض الإخوة بمنشور انتشر على بعض مواقع التواصل ينسب فيه صاحبه للإمام ابن القيم أنه قال في زاد المعاد (1/ 453):

(المُتزوج إذا سافر ومعهُ زوجته وأقام بمكان فلا يقصر الصلاة، لأنَ المرأة سكن ووطن أينما حلت حلت السكينة، قال ابنُ عباسٍ رضيَ الله عنه: المُسافر إذا تزوج لزمهُ الإتمام).

وسألني عن حكم المسألة، ومدى صحة نسبة هذا الكلام للإمام ابن القيم رحمه الله.

والجواب

أن الكلام بهذه الصيغة لم يقله ابن القيم رحمه الله، وليس موجودا في الموضع المشار إليه من زاد المعاد، إلا الجزء الأخير المنسوب لابن عباس رضي الله عنه،

وهو في مسألة أخرى غير مسألة سفر الرجل بزوجته كما يأتي بيانه بإذن الله.

وأنا لا أعلم أحداً من أهل العلم -لا ابن القيم ولا غيره- يقول إن الرجل إذا سافر بزوجته صار مقيماً، ولا يجوز له القصر.وكيف يقول أحد بذلك،

والثابت من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يسافر بنسائه،قال ابن القيم في زاد المعاد (1/ 445):

«وكان إذا أراد سفرا، أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها سافر بها معه، ولما حج سافر بهن جميعاً».

ومع ذلك لم يثبت عنه أنه أتم الرباعية في سفره البتة كما ذكر ابن القيم أيضاً في الزاد (1/ 447).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله لما سئل عن حكم قصر الصلاة الرباعية بالنسبة للمغتربين الذين يصطحبون زوجاتهم معهم:

(إن اصطحاب الأهل والزوجات غير مؤثر في الحكم، فإن النبي قد اصطحب زوجاته في حجة الوداع، وكان من هديه:

إذا أراد سفراً أن يقرع بين زوجاته فأيتهن خرج سهمها خرج بها. ومع هذا قصر في حجته وكان يقصر في كل أسفاره).

[مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (15/ 180)].

مسألة أخرى

وأما كلام الإمام ابن القيم في الموضع الذي أشار إليه صاحب المنشور، فهو منصب على مسألة أخرى،

ألا وهي مسألة ما لو سافر الشخص إلى بلد فتزوج فيها أو كان له فيها زوجة.

وقد جاء تعرضه لهذه المسألة في سياق حديثه عن عثمان رضي الله عنه،

وأنه لما حج أتمَّ الصلاة بمِنى، مع أن الثابت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقصر الصلاة بمنى.

ولذا أنكر  كثير من الصحابة على عثمان رضي الله عنه، ولما بلغ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ذلك استرجع ثم قال:

«صَلَّيْتُ مع رَسولِ اللَّهِ بمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وصَلَّيْتُ مع أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه بمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وصَلَّيْتُ مع عمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه بمِنًى رَكْعَتَيْنِ، فَلَيْتَ حَظِّي مِن أرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ متَقَبَّلَتَانِ»

أخرجه البخاري (1084)ومسلم (695).

وقد ذكر ابن القيم أن أهل العلم اعتذروا عن فعل عثمان رضي الله عنه بتأويلات عدة:

منها أنه كان قد تزوج بمني،

قال ابن القيم في الزاد (1/ 453):

(التأويل السادس: أنه كان قد تأهل بمنى،والمسافر إذا أقام في موضع، وتزوج فيه، أو كان له به زوجة، أتم، ويروى في ذلك حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم…،

وقد نص أحمد وابن عباس قبله أن المسافر إذا تزوج لزمه الإتمام، وهذا قول أبي حنيفة ومالك وأصحابهما، وهذا أحسن ما اعتُذِر به عن عثمان. 

وقدْ نصّ أحمد وابن عباس قبله أن المسافر إذا تزوج لزمه الإتمام، وهذا قول أبي حنيفة ومالك وأصحابهما، وهذا أحسن ما اعتذر به عن عثمان..) أ.هـ.

فتبين من هذا أن ابن القيم لا يتحدث عن سفر الرجل بزوجته،

وإنما يقصد أن يتزوج الرجل بالبلدة التي سافر إليها أو يكون له بها زوجة،

فيكون له حكم أهل تلك البلدة،فلا يقصر الصلاة كما هو قول جمهور الأئمة.هذا والله تعالى أعلى وأعلم.

د. عبد الآخر حماد

18/ 5 / 1444هـ- 12/ 12/ 2022م

من د. زينب عبد العزيز

أستاذة الأدب الفرنسى وتاريخ الفنون بالجامعات المصرية