الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد سألني غيرُ واحدٍ من الشباب عن الشيخ محمد بن شمس الدين، وقد لاحظتُ من مدةٍ كثرةً في الأخذ والردِّ في شخصه،

وهنا أضع رأيًا مقتضبًا فيه، والمُخاطب هنا من يستمع للشيخ،

أما من لا يعرفه أو لا يستمع له فلا حاجةَ له في قراءة هذه المقالة عنه.

وأتمهَّد لذلك بأني لست مكثرًا من الاستماع له، بل لست متابعًا له، ولا تربطني به علاقةٌ شخصيةٌ،

وإنما كنت أستمع له بعض المقاطع بين الفينة والأخرى، وعقلي خالٍ من أيِّ شيءٍ عنه،

فلم أقف على من أثنى عليه أو قدح فيه، فأنا محتكمٌ لما يصدر عنه مع افتراض حالة السلامة والتمكن فيما يقول.

الردود العلمية

وشدَّني أنه قد خصَّصَ قناةً تحمل اسم الردود العلمية، وهذا يعني أنه ينبغي أن يكون ذا مُكنةٍ في العلم والحكمة والحجة والعقل.

وكنت ألاحظ فيه ضعفًا في التصور، لكن حقُّ ذلك الاغتفار لقلته؛ لأني مُقِلٌّ أصلًا من الاستماع له،

بل حتى يكون الأمر واضحًا فإني لم أكن أقصد الاستماع له،

بل من سياستي في نفسي أني حين لا أقدر أن أستثمر وقتي كما لو كنت آكل لوحدي

فإني أفتح اليوتيوب وأحضر لمن ظهرت مقاطعه، وأبحث أحيانًا عن أشخاص معينين لأستمع لهم.

وكان يقع في نفسي بعض الملاحظات عليه، ولكن أفترض أنها من الزلات الدقيقة فيمن يشتغل بالعلم.

وسألني أحد الشباب عنه مرة فكنت محتارًا في نفسي كيف أرسم في صدره نفس الصورة التي في صدري،

ثم آثرت الاكتفاء بالقول: أرجو أن يكون الحضور نافعًا وما أشبه ذلك من كلمات،

فقال الشاب كلمةً مفادها: الحمد لله أنك قلت ذلك؛ فقد خشيت أننا كلما علَّقنا أنفسنا برجلٍ يتبين لنا أن عنده مشكلة.

ثم بدأت كمية الملاحظات تزيد، حتى بدا لي أنَّ الجهل في بعض المقاطع أكثر من العلم،

وأنَّ خرم الأدب أكثر من الأدب، ثم رأيت من يتناوله ويُحَذِّر منه ولكني عطَّلت مشاعري وقلت: لعلَّ ذلك فيه مبالغة.

ثم عزمت في نفسي أن آخذ رأيًا واضحًا فيه لا سيما بعد سُئلت عنه غير مرة:

فحضرتُ له مقطعًا عن الإمام الحاكم ودفاعه عنه لمَّا تكلم فيه الصحفي صابر مشهور وكان طرحه جيدًا مفيدًا.

وسُئلِ عن النووي هل هو كافر؟

فقال: كفره تابعٌ لكفر الأشاعرة، ولكن يجب أن ننظر في حال النووي هل هو جاهل أو لا يفهم أو ما أشبه ذلك.

وهذه طريقةٌ قبيحةٌ في التفكير والتعامل مع المسألة، والمقام يضيق عن بيان ذلك، علمًا بأني على مذهب أهل الحديث في الاعتقاد ولست على مذهب الأشاعرة.

وسُئِلَ عن الشيخ الددو الشنقيطي هل هو أعلم الناس في زماننا؟ فقال: ثبت عندي أنه لا يعرف كتب السلف في العقيدة، فلا يعرف كتاب كذا وكتاب كذا، ثم هو أعلم من مَن؟.

ومع عدم قناعتي بمثل هذه الأسئلة في زماننا هذا إلا أن الإشكال في طريقة التعامل والتفكير نفسها، والمقام يضيق عن بيان ذلك أيضًا.

مسألة تحرير فلسطين عام 2022

ولما ردَّ على الشيخ بسام جرار في مسألة تحرير فلسطين عام 2022 أتى بكلامه والذي فيه: أن هذا كلامي، فإن لم يحصل ما ذكرتُه لكم من التحرير في الموعد المحدد فالإشكال فيمن صدق.

ثم قال الشيخ محمد شمس الدين: هذا يذكرني بقول الله تعالى:

{وقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلومُوا أَنْفُسَكُمْ}

[إبراهيم: 22].

وراح يقول: لم أقل إن الشيخ بسام جرار شيطان، ولكن هذه الآية خطرت ببالي لما سمعت كلامه، بجامع التملص من المواقف. ا. هـ.

وأنا شخصيًّا لم أكن أوافق الشيخ بسام جرار في مسألة تأقيت التحرير،

بل كنت أقول في المحاضرات حين أسئل عن ذلك: إنَّ ربط التحرير بالأرقام وتحديد الانتصار بالسنوات لا يمكن أن يكون طريقًا شرعيًّا صحيحًا حتى لو حصل ووافق الواقع.

وكنت أقيم الحجة على ذلك، وهذا من عدة سنوات، وكم حرصت على نشر ذلك في مقطع مرئيٍّ مسجل لكن لم يقدَّر ذلك حتى فات الوعد بانتهاء سنة 1443 هـ فلم أجد في الكلام فائدة.

ولكن الإشكال في طرح الشيخ محمد بن شمس الدين هو الاجتزاء،

وبيان ذلك: أنَّ الشيخ بسام جرار مع قرب سنة 2022 بدأت تنهال عليه الأسئلة فيما لو لم يحصل ما تقول، فكان في كل مرة يتكلم بما يتيسر له:

فمرة يقرر أنه من الساعة الأولى قرر أنَّ هذا اجتهادٌ محض، ولا يلتصق بالقرآن كحقيقة،

وأنه لا ينبغي نقل الكلام من الاجتهاد إلى القطع ثم ينسب إلى القرآن، وذكر أنَّه قرر هذا الكلام في الكتاب في نسخته الأولى.

 ومرة يمزح ويقول: وهل بيني وبينكم مقاولةٌ على التحرير في أمدٍ معين حتى تحاسبوني على ما قلت!

وفي هذه المرة أخذ يمزح ويقول: وهل قلت لكم صدقوني!

التقط المقطع مبتورًا عن السياق العام

فجاء الشيخ محمد شمس الدين والتقط هذا المقطع مبتورًا عن السياق العام دون ما يتمم الصورة ويظهر حقيقة رأيه بمجموع ما قال،

مع أنَّ جمع كل ما قاله شخصٌ ما في موضوعٍ ما هو الطريق الأسلم لمعرفة رأيه بوضوح،

ونبَّه على هذا الأمر شيخ الإسلام ابن تيمية.

ولو فعل الشيخ محمد شمس الدين ذلك لعلم أنَّ ما قاله الشيخ بسام جرار في هذا المقطع غير مقصود بحرفه؛

بل قد جاء ضمن سياق قبله، وما كان يقصد إلا تقرير ما قرره من أن رأيه مبني على الاجتهاد والظن،

ولم يرد التهكم بالمستمعين في كون الإشكالية أنهم يصدقون.

ولما أخذ يرد على الشيخ فايز الكندري ظهر عوار تفكيره، فالرجل لا يحسن تحرير محل النزاع، بل يتوهم شيئًا ويرد عليه، بلا فقهٍ ولا أدبٍ ولا حجة.

بل عرَّض بالشيخ فايز وأنه لم يكتب سوى تجربته الذاتية وبعض القضايا،

وقال كلمات أحسب والله أنها أثقل على الشيخ فايز الكندري من سنوات الحبس في سجون الأمريكان مجتمعة والتي بلغت أربعة عشر عامًا.

كل ذلك وهو يذكر في مقاطعه أنه يقرر الرد على طبقٍ من أدبٍ ورفق.

ولكن الحقيقة أنه لا يخلو من فجورٍ في الخصومة شعر بهذا أم لم يشعر، بعيدٌ عن مسالك الأدب شعر بهذا أم لم يشعر،

ومن يحضر له فلا بد أن يشعر بالضيق، بل دوام الحضور له مشعر بالتقزز؛ لفساد الطريقة والعرض والأسلوب والمادة والحجة.

لا يكفي سلامة العقيدة وصحة الشريعة

ومن المعلوم أنَّ ديننا عقيدةٌ وشريعةٌ وسلوك، فلا يكفي سلامة العقيدة وصحة الشريعة إذا فسد السلوك،

وأنا لم أقرأ عن نشأة الشيخ محمد بن شمس الدين، ولكن أخشى أن يكون قد نشأ في بيئةٍ مدخليةٍ أو قريبًا من ذلك فأخذ من طباعهم وإن كان يخالفهم ويرد عليهم؛ فإنَّ المجالسة تورث المجانسة.

ثم إنَّ عملية تشريح أقوال العلماء والدعاة وملاحقتها وتحليلها والتشهير بها هل هو الثغر الذي ينبغي المرابطة فيه هذه الأيام؟!

يمكن أن يكون هناك ردود قليلة حين يقوى الباعث وتشتد الأهمية، ولكن التوسع في ذلك مظنة الفساد العريض.

ثم هو حين سئل عن محمد بن سلمان أبى أن يجيب عن ذلك مع قوةِ الباعث، والجهل بذلك لا يحمد،

فكان الأولى الحرص على دراسة ما يقوم بالناس من حوائج لا ينبغي أن تخفى على العامي فضلًا عن العالم والمتعلم.

ولهذا فإنَّ خلاصة رأيي فيه:

أنَّ هذا الشخص ليس عالمًا من غير شك، وليس طالب علم راسخًا، والحضور له يختلف بحسب الموضوع؛ فبعض قوله مفيد وكثيرٌ منه غير مفيد،

بل في بعض المقاطع يتفوق الجهل على العلم، وقلة الأدب على الأدب، وأحسب أن ما يحصِّله من معلومات تغريه بظن العلم فيتوهم أنه قد بلغ.

فاقدٌ للحجة والأدب

والشيخ محمد بن شمس الدين فاقدٌ للحجة والأدب، وما يغيب عنه أكثر مما معه وإن توهم عكس ذلك كما تنطق بذلك مقاطعه.

والإشكال الأكبر عنده في نفس العقلية التي يصدر عنها الكلام،

وعناية أكثر الناس إنما هي بتقييم القول فقط، فكيف لو ضمَّ إلى ذلك سرعته في تخطئة غيره، حتى لكأنَّ الردود نفسها شهوة،

وهذا يذكِّرني بقول الله تعالى: {إذ تلقونه بألسنتكم} فبعض الناس يستمع القول ليرد عليه لا ليتدبره.

والمنهج الذي يعتمده يتوهم في نفسه أنه منهجٌ علميٌّ لكنه غير علمي،

وأنه قائمٌ على الحجة والأدب لكن هذا من زينة الظاهر، والباطن بعكسه، وإدراك ذلك ميسورٌ سهل.

ثم هو يتوهم شيئًا ويرد عليه، وحين يرد يسارع في ذلك قبل أن يعيه على وجهه،

وله فرحةٌ بالألفاظ حين يظن أنها توقِعُ من يرد عليه في الخطأ،

ثم هو إذا ردَّ على من يردُّ عليه وقع في شَرَك المغالطات المنطقية؛ كأن يتكلم عن شخصية الراد لا عن ذات الرد.

والنصيحة له:

بطلب الأدب والعقل إلى جانب طلب العلم، ومن الخير أن لو استعان بجمعٍ من أهل العلم وجعلهم محلًّا لمناقشة ما يقول فيما لو تحتم الرد.

ثم ينبغي أن تكون له عنايةٌ بعلم أصول الفقه؛ فإنَّ ذلك يفيده في ضبط طريقة التفكير،

وأن يجعل عنايته بالتلقي أكثر من عنايته بالردود،

وحرصَهُ على مباركة جهود العلماء والدعاة أكثر من حرصه على إظهار الخلل في كلامهم وفعالهم.

ولا بد لتعزيز السلوك والتزكية من تهجدٍ طويلٍ يعين صاحبه على تحصيل ذلك.

فإن لم يفعل فإنَّه سيكون ظاهرةً سريعةً ثم تختفي،

ولو بقيت بعض السنوات فلن يبقى لها بريقٌ ولا جذب،

وحين ذلك لو تكلم بالحق مع الأدب والحجة فسيكون أكثر الناس قد انصرف عنه.

وأخيرًا: ما دفعني إلى الكلام عنه إلا كثرة وقوعه في أهل الفضل،

وأنَّه يتوسع في الردود توسعًا لا ينبغي، وأنَّ كلامه له باطن يخالف الظاهر، شعر بهذا أو لا، قصده أو لا،

وجاءت أسئلة بعض الإخوة تحرِّض على الكتابة،

وإلا.. فإني لا أحب الردَّ على أحدٍ ممن ينتسب إلى العلم أو الدعوة إلا لباعثٍ قوي.

هذا والله أعلم، ونسبة العلم إليه أسلم.

والحمد لله رب العالمين.

وكتبه:

د. محمد بن محمد الأسطل

عشية الاثنين 18-5-1444 هـ الموافق 12-12-2022

من وليد كسّاب

عضو اتحاد كتاب مصر