الدكتور محمد حسين هيكل

 قطب بارز في  سماء الفكر والسياسة في مصر..

رأس حزبا من أحزاب العهد الملكي، هو (الأحرار الدستوريين) ..

كانت على قدر متميز، فتح الباب لعشرات الأقلام والعقول..

  وهو أول من كتب عال من الحرفية والتنور، هي جريدة (السياسة)، حيث كان عددها الأسبوعي ساحة فكرية، من طراز رواية عربية (زينب) التي تحولت إلى فيلم سينمائي..

  كان كتابه (حياة محمد) علامة ثقافية بارزة..

  فضلا عن (الفاروق عمر) ..

  وفى كتابه (في منزل الوحي) الذي اقترب من سبعمائة صفحة، يدرس فيه جوانب متعددة، أثارتها زيارته للأراضي الحجازية، في مكة والمدينة المنورة..

  وأبرز ما في مقدمة الكتاب، إشارته إلى ما أخذه عليه البعض، بعد صدور كتابه (حياة محمد) أنه بدا وكأنه قد تخلى عن توجهه الفكري السابق، من حيث النظر إلى الغرب عامة، وأوربا خاصة، باعتبار أن ذلك هو طريق التقدم والنهوض الحضاري، وأننا لكي نتقدم بالتالي، فلابد أن نحذو حذو الأوروبيين.

وهيكل يلتمس العذر لمن ظنوا هذا، حيث هو نفسه، بالفعل قد خفي عنه، مدة سنوات، عندما سعى، بكل جهده أن ينقل لأبناء لغته ثقافة الغرب المعنوية، وحياته الروحية، لنتخذهما جميعا هدى ونبراسا.

البذر في غير منبته

ثم يقر بأنه، أدرك، بعد لأي أنه يضع البذر في غير منبته، فإذا الأرض لا تهضمه، ثم لا تتمخض عنه ولا تبعث الحياة فيه، فانقلب يلتمس في تاريخنا البعيد، في عهد الفراعين موئلا لوحي هذا العصر، ينشئ فيه نشأة جديدة، فإذا الزمن، وإذا الركود العقلي قد قطعا بيننا وبين ذلك العهد من سبب قد يصلح بذرا لنهضة جديدة.

ثمّ أمعن التفكير، فرأى أن تاريخنا الإسلامي هو وحده البذر الذي ينبت ويثمر، ففيه حياة تحرك النفوس، وتجعلها تهتز وتربو،

ولأبناء هذا الجيل في الشرق نفوس خصبة، تنمو فيها الفكرة الصالحة لتؤتى ثمرها بعد حين

(في منزل الوحي، ص 23) .

ثم يؤكد مفكرنا أن الفكرة الإسلامية، المبنية على التوحيد في الإيمان بالله، تنزع في ظلال حرية الفكر إلى وحدة الإنسانية، وحدة أساسها الإخاء والمحبة،

فالمؤمنون في مشارق الأرض ومغاربها إخوة يتحابون بنور الله بينهم، وهم لذلك أمة واحدة، تحيتها وغايتها السلام.

الفكرة القومية

وهذه الفكرة الإسلامية تخالف ما يدعو إليه عالمنا الحاضر من تقديس القوميات،

وتصور الأمم وَحَدات متنافسة، يحكم السيف، وتحكم أسباب الدمار بينها فيما تتنافس عليه.

ويشير هيكل إلى أننا تأثرنا معشر أمم الشرق بهذه الفكرة القومية، واندفعنا ننفخ فيها روح القوة،

نحسب أننا نستطيع أن نقف بها في وجه الغرب الذي طغى علينا وأذلنا،

وينبه هيكل إلى أن بريق حضارة الغرب أنسانا ما تنطوي عليه هذه الفكرة القومية من جراثيم فتاكة بالحضارة التي تقوم على أساسها وحدها .

   لكن -هكذا أكد هيكل- أن «التوحيد» الذي أضاء بنوره أرواح آبائنا، أورثنا من فضل الله سلامة في الفطرة، هدانا إلى تصور الخطر فيما يدعو الغرب إليه،

وإلى أن أمة لا يتصل حاضرها بماضيها خليقة أن تضل السبيل، وأن الأمة التي لا ماضي لها، لا مستقبل لها..

  ولم يلبث مفكرنا، حين تبين هذا الأمر أن دعا إلى حضارتنا الشرقية بعامة والإسلامية بخاصة،

وفى الحال يبرز النبي محمد نورا نستمد منه الضياء،

فهو الشمس التي أمدت ما شهدته سماء حضارتنا العربية الإسلامية من ضياء ..

  وسخر هيكل ممن غمزوه بالرجعية، في هذا التوجه،

مؤكدا أن هذا المغمز يزيده غبطة بما لقيته بحوثه الأخيرة من عناية القراء،

مما كان شاهدا على ما حباه الله من توفيق إلى طريق الله..

«حياة محمد» بداية الاهتداء إلى الطريق المنشود:

كان مفكرنا الكبير الدكتور محمد حسين هيكل قد لاحظ على كتابات المستشرقين خاصة، وقطاعات من الغربيين عامة،

أنهم، في هجومهم على الإسلام والمسلمين، يركزون أكثر على شخصية الرسول الكريم. ولعلنا لاحظنا هذا، حتى في أيامنا الحالية.

  وربما يكمن تفسير ذلك في أن الطعن في الرسول، يترتب عليه بالتالي سقوط الأسانيد التي تقوم عليها رسالته وهى الإسلام.

من هنا جاء كتابه الضخم (حياة محمد)، والذي بلغ عدد صفحاته 628، وفقا للطبعة التي بين أيدينا، وهى الطبعة الحادية عشر، لسنة 1981،

وكانت الطبعة الأولى عام 1935، وهذا الرقم الذي وصلت إليه طباعة الكتاب، ليؤكد لنا أهميته، وكيف أنه «علامة على الطريق».

وقارئ الكتاب يمكن أن يلمس كيف استند مفكرنا على المنطق والبرهان العقلي، ووقائع التاريخ.

وعندما كتب مفكرنا هذا الكتاب، كان لا يزال على توجهه في اعتبار ثقافة الغرب، هي القبلة التي يجب أن نتجه إليها،

حتى يمكن لنا أن نتقدم وتكون لنا مكانة بين الآخرين تكتسب تقديرهم وفهمهم.

وهو بهذا كان خطوة ضرورية، أدت به إلى الجهر، في كتابه (في منزل الوحي)

بخطأ ما كان يعتقده من قبل في ضرورة الاعتماد على الهوية الغربية!!