.أعادت التصريحات التي أدلي بها وزير الخارجية المصري سامح شكري حول تجميد مصر مشاركتها في الآلية الخاصة بتطبيع العلاقات مع تركيا -اعتراضا علي مسلك انقرة في ليبيا وتبنيها مواقف لا تصب في صالح تطور علاقات البلدين  -محاولات التقارب بين القاهرة وانقرة للمربع الأول حيث أكدت عودة التوتر في علاقات البلدين حتي وان تمسكا بالحد الأدني من التهدئة عبر استمرار وقف الحملات الإعلامية

وتظهر هذه التصريحات مدي استياء القاهرة من النهج التي تتبعه أنقرة في عديد من الملفات وفي مقدمتها الملف الليبي وهو ما ظهر جليا بعد توقيع تركيا اتفاقات جديدة مع حكومة عبدالحميد الدبيبة -التي لا تعترف القاهرة بشرعيتها وتعتبرها حكومة منتهية الولاية – في مجال الطاقة والمياه الاقتصادية وهو ما اعتبرته القاهرة تأكيدا من قبل تركيا علي زيادة نفوذها في ليبيا واستمرار رهانها علي قوي ثورة السابع عشر من فبراير والوقوف حائلا دون سيطرة خليفة حفتر وبرلمان طبرق علي المشهد الليبي تماهيا مع رغبات القاهرة .

باشاغا والنفوذ التركي في ليبيا  

بل أن القاهرة تبدو شديد الاستياء من رهان أنقرة المستمرة علي حكومة الوحدة الوطنية الليبية بقيادة عبدالحميد الدبيبة وتجاهل حكومة فتحي باشاغا التي اقرها مجلس نواب طبرق فاقدة الشرعية والمطعون في ولايته حيث تجاهلت تركيا رغم صلتها الوثيقة ببشاغا الذي كان لاعبا محوريا في توقيع حكومة فايز السراج المنصرفة اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع  تركيا وهي الاتفاقية التي شكلت ازعاجا لكل من مصر وقبرص واليونان والكيان لصهيوني وآمنت لتركيا دورا مهما في ثورة المتوسط من نفط وغازفضلا عن اتفاقيات التعاون العسكري بين طرابلس وانقرة التي كرست وجود عسكريا تركيا لافتا في جارة القاهرة الغربية  .

تصميم تركيا في الرهان علي حكومة الدبيبة لم يمنع كذلك القاهرة من التحرش بهذه الحكومة والمطالبة بمنعها من المشاركة في اجتماعات الجامعة العربية بوصفها ممثلا لليبيا في ظل حديث القاهرة عن انتهاء ولايتها وهو أمر يكرس الخلاف بين تركيا والقاهرة ويقطع الطريق أمام أي محاولات للتقارب وبل يجمد الاتصالات علي المستوي الاستخباراتي والوزاري حتي أشعار أخر.

 

مصر وتركيا

كما أن أصرار انقرة  علي استمرار نوع من الوجود العسكري في ليبيا تؤكد تركيا أنه لا يتجاوز القيام بتأهيل وتدريب القوات الليبية قد جعل صبر القاهرة ينفد حيث لا  ترغب الأخيرة في وجود محطة نفوذ قوي لأنقرة في ليبيا التي تعتبرها امتداد لأمنها القومي حتي لم تبد انقرة أي تجاوب مع مطالب مصر بخروج القوات الأمنية في ليبيا وبل تعتبر الدبلوماسية التركية هذا التواجد تعزيز لنفوذها في شرق المتوسط وتأمين لمصالحها العليا .

كما أن القاهرة كانت تنتظر من تركيا خطوات واسعة في مجال لجم معارضة جماعة الإخوان والقوي المناوئة للنظام علي أراضيها خصوصا علي الصعيد الإعلامي في ظل تصاعد تحريض قنوات تبث من تركيا وغيرها  علي التظاهر واسقاط النظام المصري فضلا عن عن عدم تجاوب أنقرة مع مطالب القاهرة تسليم عدد من المعارضين المصريين لها حيث رفضت تركيا هذا الأمر بل وفرت لهم فرصا للانتقال الي بلد ثالث .

توتر العلاقات المصرية التركية والبحث عن طرف ثالث

يأتي هذا في الوقت الذي ربطت مصادر مطلعة بين تصريحات سامح شكري الخشنة تجاه تركيا وبين ضغوط تمارس علي القاهرة من قبل الكيان الصهيوني وعاصمة خليجية يرجح أنها أبو ظبي لقطع الطريق علي أي محاولات للتقارب مع تركيا بل أن المصادر اكدت أن تجميد التطبيع بين البلدين سيتبعه تدخل صهيوني اماراتي لدعم الاقتصاد المصري وضخ مليارات الدولارات لإنقاذه ومع النظام المصري الذي يواجه صعوبات هي الإكثر منذ وصوله للسلطة

واعتبرت المصادر أن تصريحات شكري الخشنة تجاه تركيا تأتي في سياق استجابة جزئية من قبل القاهرة للضغوط التي تمارس عليها لوقف أي محاولات للتقارب مع تركيا وكأن القاهرة أبدت عبر تصريحات شكري  تجاوبا لو محتشما مع هذه الضغوط عليها تترجم في دعم اقتصادها المتداعي رغم ان التقارب مع تركيا يخدم المصالح العليا ويعيد إليها آلاف الكليومترات من ثروات شرق المتوسط ولكن يبدو ان النظام المصري يبحث عن طوق نجاه لإنقاذه من الأزمة الاقتصادية أكثر من المصالح العليا للبلاد .

ومع هذا تستبعد المصادر ان يصل التوتر مداه في علاقات البلدين حيث  يسعي البلدان لإبقاء الخلافات في هذه المحطة وعدم السماح بالتصعيد وعدم عودة الحملات الإعلامية لاسيما ان كلا من القاهرة وأنقرة  يسعيان للحفاظ علي علاقاتهما الاقتصادية وعلي التبادل التجاري والاستمرار في البحث عن حلول وسط لخلافاتهما في ملفات عديدة وهو أمر سيظل يحكم هذه العلاقات حتي إشعار أخر

من د. أنور الخضري

مدير مركز الجزيرة للدراسات العربية بصنعاء - اليمن