كتب إلي بعض إخواننا العرب يسألني عن الفلسفة معناها، وأكبر معلميها، وأهم مباحثها، في اختصار، دون إسهاب، مع بيان دون إبهام، فقلت مستعينا بالله ومتوكلا عليه:

معنى الفلسفة:

الفلسفة كلمة يونانية مركبة من «فيليا» أي محبّة، و«صوفيا» أي الحكمة، تعني «حب الحكمة»، وشاع استعمالها لدراسة الأسئلة العامة والأساسية عن الوجود والمعرفة والقيم والعقل والاستدلال واللغة، ويمكن أن تعرف بالنظر في القضايا الكلية دون الجزئيات.

فالفلسفة هي دراسة الكون بالعقل، وإعمال العقل والفكر والنظر ليس حكرا على اليونان، بل إنه وجد قبلهم، ولدى عامة الشعوب من أهل الصين، والهند، ومصر، وبابل، والعبرانيين، وكل من نظر في مسائل الفلسفة وجد أن أصولها كلها أقدم من فلاسفة اليونان، بيد أن المدارس الفلسفية اليونانية هي التي هيمنت على العالم، وإذا أطلقت الفلسفة أريد بها الفلسفة اليونانية.

أكبر المعلمين:

وأشهر فلاسفة اليونان سقراط، وتلاه تلميذه أفلاطون (توفي سنة 347 قبل المسيح)، وعرف أفلاطون الفلسفة بأنها علم الواقع الكلي أو العلم بأعم علل ومبادئ الأشياء، وتلاه تلميذه أرسطاطاليس أو أرسطو (توفي سنة 322 قبل المسيح) فأحدث ثورة في الفكر الإنساني، وجعل الفلسفة تشمل المعارف البشرية كلها.

وترجمت كتب الفلسفة إلى العربية في مبدأ الخلافة العباسية، وأشهر فلاسفة الإسلام أبو نصر الفارابي (ت 338ه)، وأبو علي بن سينا (ت 428ه)، وجماعة كبيرة، ويسمى أرسطو المعلم الأول، وأبو نصر الفارابي المعلم الثاني، وابن سينا المعلم الثالث.

مباحث الفلسفة:

الفلسفة -كما مر- دراسة المعرفة بجميع أشكالها، وتتلخص مباحثها التقليدية فيما يلي:

1-  المعرفة (Epistemology):

هل المعرفة الإنسانية ممكنة أم ممتنعة؟ وإذا كان الجواب بنعم، فهل المعرفة احتمالية ترجيحية أم هي يقينية مطلقة؟ وما مصادرها ووسائل اكتسابها؟ الفطرة والعقل أم الحس والتجربة؟ أم الحس والعقل معا؟ وما إلى ذلك من الأسئلة، وخلاصة هذه المسائل: إمكان المعرفة، ومصادر المعرفة، وطبيعة المعرفة.

2-  الوجود (Ontology):

هل الوجود ينصرف في أصله إلى عنصر واحد، أم إلى عنصرين، أو إلى عناصر متعددة؟

وما طبيعة هذا العنصر؟ أهو مادي خالص؟ أم هو عقلي خالص؟ أم روحي خالص؟

أهذا العنصر أزلي أبدي أم هو مخلوق خلقته إرادة عليا؟

وما إلى ذلك من الأسئلة المتعلقة بالوجود، ويسمى هذا المبحث «ما وراء الطبيعة» (Metaphysics)،

وسماه أرسطو «الفلسفة الأولى» تمييزا لها عن «الفلسفة الثانية» وهي «علم الطبيعة».

3-  القيم (Axiology):

هذا المبحث يتناول دراسة القيم العليا من الحق والخير والجمال، أهي معان عقلية تقوم بها الأشياء، أم لها وجود خارجي مستقل عن العقل؟ كما يتناول دراسة أقسام القيم وطبيعتها ومقاييسها ومنزلتها. كذلك يهتم الفلاسفة بالنظر في الأشياء على أنها غايات أو وسائل، وهل القيم ذاتية خالصة مردها إلى العقل أم أنها موضوعية توجد في الأشياء مستقلة عن العقل؟.

تلك هي رؤوس المباحث الفلسفية، ووضع أرسطو علم المنطق كميزان للنظر الفلسفي، وهو علم يبحث فيه عن قواعد التفكير الصحيح، فالمنطق للفكر كالنحو للغة.

الخاتمة:

فالخلاصة أن الفلسفة تدرس الطبيعة بأقسامها، وما وراء الطبيعة، والأخلاق، والجمال، وعلم المنطق، وفيها ما هو حق وما هو باطل، وما هو مزيج منهما، وجاء الإمام الغزالي فألف كتابه (تهافت الفلاسفة)، وتعقب عليه ابن رشد في كتابه (تهافت التهافت)، وألف ابن تيمية (الرد على المنطقيين)، و(درء التعارض بين العقل والنقل)، وليس هذا بموضع لعرض آرائهم.

من يسري الخطيب

'- شاعر وباحث ومترجم - رئيس القسم الثقافي