السلفية المغشوشة.. سندٌ للظالمين وحربٌ على المؤمنين!!

منذ بداية تسعينات القرن الماضي، تسارع انتشار التيار السلفي في المجتمع المصري، بفعل وتأثير مجموعة كبيرة من الدعاة والخطباء الذين كان يتم توزيع وتسويق خطبهم ودروسهم بشكل واسع في الميادين والمكتبات وأمام المساجد، كما أصبح لهم الكثير من المساجد الخاصة بهم، ووصل الانتشار مداه منذ بداية الألفية وبعد أن أصبح لهم فضائيات تعبر عنهم وتنقل خطابهم إلى الناس.

تركز خطاب هؤلاء الدعاة على تطبيق الشريعة الإسلامية كأولوية قصوى، ورفض العمل السياسي وتحريمه والهجوم عليه وعلى المشاركين فيه من الإسلاميين، وروج هذا الخطاب بشكل كبير على اهتمامه بالأمور الشرعية والعقيدة الصحيحة والعلم الشرعي الحقيقي بدلاً من أكاذيب السياسة التي يهتم بها الآخرون!! كما ركز هذا الخطاب على التشدد في قضية الولاء والبراء ومن تجلياتها التشدد في العلاقة مع النصارى.

جذب هذا الخطاب كثيرًا من الشباب، فانتشر هذا المنهج السلفي بين قطاعات واسعة من المصريين،  الذين وجدوا في هذا الخطاب الهارب من السياسة وتبعاتها (حيث الملاحقات الأمنية والاعتقالات والسجون)، والمركز على الدين الخالص والعقيدة الصحيحة..  وجدوا في هذا الخطاب ضالتهم ومبتغاهم.

اعتقد الناس أن السلفيين شيئ واحد وفكر واحد، قبل أن تندلع ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١م، ليتأكد للجميع ـ أثناء وبعد هذه الثورة ـ خطأ هذا الاعتقاد، فتمايز الخطاب السلفي ليكشف للناس عن سلفية مغشوشة وأخرى جادة منضبطة وأمينة، يحظى شيوخها بالمصداقية وحب واحترام الناس. 

كشفت ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١م عورات السلفية المغشوشة، وبدأت أوراق التوت التي تغطي سوءاتها تظهر تدريجيًا، وكان أولها تحريم الاشتراك في هذه الثورة وخروج شيوخ السلفية المغشوشة لتثبيط همم الشباب وتخويفهم من مآلات هذه الثورة، ثم أصبح العمل السياسي الذي كان محرمًا بالأمس حلالاً ومحببًا اليوم، وكانت المزايدة واضحة على قضية الشريعة خلال وجودهم في البرلمان، لكن بعد الانقلاب نسوا الشريعة وأصبح كل همهم دعم الاستبداد والفساد، وكان السقوط الأكبر خلال وجود الرئيس (الإسلامي ـ الحافظ لكتاب الله) المنتخب ديمقراطيًا لأول مرة في تاريخ مصر.. ورأينا وسمعنا وعلمنا كيف تآمرت السلفية المغشوشة على هذا الرئيس (الإمام الشرعي)، واحتار الناس في هؤلاء الذين يساندون ويدعمون كل أنواع الحكام ولا يعادون إلا الرئيس الإسلامي الشرعي الذي طالما حلم به الناس.. وكأنها آية من آيات الله على فساد العقول والقلوب والنفوس وعلى انهيار المنظومة بأسرها وتناقض خطابها وسقوطه.. وتأكد للقاصي والداني مدى تنسيق رموز السلفية المغشوشة مع جهات الأمن، وكيف أعدها حبيب العادلي ليواجه بها الإخوان إذا أصبحت لهم الغلبة في يوم من الأيام!!

بعد هذا السقوط الديني والسياسي والأخلاقي، كان معهودًا أن نرى رموز هذا التيار يتسابقون إلى لجان الانتخابات التي كانوا يحرمونها، ورآهم الناس وهم يصافحون القساوسة ويعانقونهم ويلتقطون معهم الصور ويظهرون الود لهم.. في ردة واضحة عن خطابهم ومنهجهم السابق. فعلى سبيل المثال كان أكبر شيوخ هذا التيار قد ألف الكتب في أصول الإسلام وما يقدح فيها وفي الولاء والبراء.. وأنفق الكثير من وقته وجهده ودروسه في ذلك.. ثم تأتي الممارسة على أرض الواقع لتناقض وتهدم كل ذلك بشكل فج وصارخ!!

ومثلت ثورة ٢٥ يناير وما تبعها من أحداث حتى إراقة الدماء الحرام في الميادين، فرصة عظيمة ليظهر  القطاع الآخر من التيار السلفي الذي لم يخن الأمة وقضاياها الكبرى، ولم يدعم الانقلاب، والذي تبرأ من إراقة الدم الحرام، والذي قدم وجهًا أمينًا للخطاب الديني غير المغشوش.

وإذا كان حديثنا موصولاً عن قضية الظاهر والباطن، وكيف أن الصوفية اهتمت بالباطن وأهملت الظاهر فضلت.. فإن السلفية المغشوشة اهتمت بالظاهر وباللحية والنقاب وتقصير الثوب.. الخ، واعتمدت الضجيج وكثرة الكلام والخطب منهجًا، وقست على الأمة ففسقت الناس وأغلظت على المسلمين وتجهمت في وجوههم وتتبعت عوراتهم، في حين كانت بلسمًا ولمسة حانية على الحكام الظلمة والطواغيت، فدعمتهم أيما دعم، وساندتهم ووقفت في صفهم ونصرتهم على جماهير الأمة المظلومة التي تحاول المطالبة بحقوقها المهضومة.

ولم يُعرف عن السلفية المغشوشة نصرة قضايا الأمة الكبرى أمام الاستعمار والصهيونية والصليبية العالمية، وموقفهم مخز من قضية نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضد إساءات ماكرون وقومه. وكان موقف السلفية المغشوشة مخزيًا وقميئًا في ليبيا واليمن، حيث انحازوا إلى الظلم والطغيان، بل إن رموزهم كانوا قادة في صفوف قوات حفتر، وقتلوا عشرات الإسلاميين ممن هم على غير منهجهم، ظلمًا وعدوانًا.

وهكذا كانت السلفية المغشوشة صنو الصوفية الضالة، كلاهما دعم السلطة السياسية الديكتاتورية الباطشة الغاشمة المستبدة الظالمة، وكلاهما لم يهتم باستقلال الأمة ضد التهديدات الخارجية، وكلاهما كان حربًا على الصحوة الإسلامية المباركة.. فسفّه فصائلها وانتقص من فكرها وعطائها، وخاض ضدها الحروب الكلامية، وكلاهما كان سلم أولوياته منهارًا وفاسدًا، والأهم من ذلك أن كلاهما كان تدينه شكليًا ومزيفًا ومغشوشًا.

من د. منير جمعة

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين