سألتني أخت متدينة:

هل يجوز شرعا أن ينعت أحدهم نفسه أو غيره بقوله: إله السرد ورب النقد؟!

وبعيدا عن مقام الدين وشرعية الحل والحرام.. فنحن ابتداء أمام حالة متفاقمة من الجهل النفسي والخلل العقلي.

هل ترى أنني أسمع اليوم بعض المبالغين، وهم ينعتون بعض الكتاب والأدباء بقولهم: إله السرد، ورب النقد، وهذه الألقاب التي تضعهم في مصافة الألوهية.

إن من ينعتونهم بهذه الألفاظ ويسبغون عليهم بهذه الألقاب، لا شك جهلة، قليلو التذوق والتعمق الأدبي، عديمو المعرفة والدراية بالثقافة وموازينها.. فالرجل الذي لا يعرف شيئا إذا لازم أحدهم، أو أجبرته محبته له أن يقرأ له، ظن لجهله أن من قرأ له لا نظير له في دنيا الناس، ومن ثم سارع إلى مدحه وإطرائه، ووضعه بجوار النجوم في السماء.

ولكن العلة الحقيقية فيه هو وفي جهله بمراقي الأدباء ومواهب الكتاب.

أما إذا كان الكاتب ذاته من ينعت نفسه بهذه الأوصاف، فلا شك عندي أنه مصاب بالجنون والهوس، أو أصابته آفة العظمة المهلكة.

إن التواضع لله إذا تجردت منه طبقة المثقفين، فما أبشع ما يخرجون به على الناس من سقطات وهزليات.

لقد حاولت أمام هذا الهوس اللفظي، أن أرجع للوراء قليلا، في أيام السابقين من أدباء الجيل الماضي، الذين قدموا ما لم يقدمه أحد، فلم أر فيهم ومن بينهم، من نطق بهذا الخرف، وخلع مثل هذه الأوصاف على نفسه أو غيره، اللهم إلا البارودي كحالة نادرة، لكنها لم تشاع أو تغلب على مزاج تلك الأجيال.. ولاشك أن الساحة اليوم فيها أدباء جديرون أن يوصفوا بما وصف به البارودي، وليس في حياتهم وذهنياتهم أي لمحة من غرور أو مسحة من هوس،وإنما نصيب بأقلامنا بعضا من المغرورين الذين امتطوا صهوة القلم وقد تجردوا من الأدب والخلق والقيم والموهبة والإبداع.. نحن هنا نهين الغرور الذي قبعوا فيه وتسربلوا بغلوائه.

بل قلت: كيف يكون الحال بكثير من هؤلاء المبالغين لو بقي العقاد مثلا إلى اليوم؟

لا شك أن لفظ إله وكلمة رب في نظر كثير من الجهلاء، لن تفي قدر العقاد في نظرهم، فهو أسمى من رب وأعظم من إله.

لا أعرف أبدا كيف أقدر أو أحترم من يزكي نفسه إلى هذا الحد، إنه يضر بمعارفه ومقامه في نفسي، فلا أستطيع أن أقرأ له أو أستفيد بشئ منه، لأن قاعدة التواضع ضربت في أساسها، ولم يبق إلا الكبر والغرور، وهي سمات أمقتها، وأستغني بكل قناعة عن أي عِلم أو تميز يصاحبها.

ما أروع وأبهى الشيخ عبد الرحمن الجبرتي رحمه الله وهو يمهر كتابه عجائب الآثار بقوله:

كتبه العبد الحقير الفقير إلى مولاه.!

ولو أن بعض مهاويس هذا الزمان، قد كتب ربع أو ثمن ما كتب الجبرتي، لخرج علينا بلقب.. إله التاريخ، ورب الأثر.

رحمنا الله من أبناء المجانين.

بل رحمنا من جهل الأتباع وعماية المريدين، التي تفرض علينا ألقابا، يتقاصر دونها أصحابها، ومن لقبوا بها، همة وإبداعا وقلمًا.