وتوفي القرضاوي رحمه الله وغفر له، وكأنه ختم زمن العلماء الكبار والرواد العظام، وأرجو ألا يكون الموت قد أخذ بيده الباب وأغلقه خلفه وهو مفارق الدنيا بعد عمر طويل ملئ بالعلم والخير والعطاء.

هو أحد رموز وعلماء هذه الأمة، وأحد أهم منتجات هذه البقعة الخصبة الولادة منها بأرض مصر،

وهو أحد الأدلة على أهمية الاستثمار في هذا العنصر البشري كأحد أهم مقدرات هذا الوطن

والذي تم تصديره للعالم أجمع وهو فرد واحد، وأخيراً فهو أحد أبرز الرموز المنتسبة إلى الأزهر الشريف؛

هذا الصرح المهيب التليد الذي يعاند الطغاة ويستعصي على الزمان!

هذا وهو من المرجعيات الشرعية المهمة عند كثير من أهل المغرب العربي وأهل الجزائر خاصة لبدء ظهور فضله وعلمه هناك،

ومثله في ذلك كمثل الشيخ الغزالي رحمه الله، كما أنه أهم الرموز العلمية في قطر بالخليج العربي،

فمن المشرق إلى المغرب ومن مصر إلى إندونيسيا يخفق ذلك العقاب بجناحيه!

اتفق أو اختلف

اتفق مع فضيلة العلامة القرضاوي أو اختلف، لكن لن يمكنك إسقاطه أبداً من ذاكرة الأمة وحكم الواقع ولو أردت؛ يحيل ذلك العلم والعقل واحترام الذات،

وتحول دونه جبال من الكتب الرصينة، وتزود عنه جحافل من جند العلماء في كل بقعة تقريباً تدين له بالتقدير والاحترام.

وكنت كثيراً ما أقول لإخواننا أن الرموز أنواع؛ فمنهم من تحملهم فئاتهم إن كانت لهم فئة،

ومنهم من يحملون فئاتهم ويظهرونها، والقرضاوي من النوع الثاني،

فرغم مفارقته تنظيمياً لجماعة الإخوان منذ عقود، إلا أنها لم تستطع حتى الآن إغفال وجوده كأحد أهم رموزها،

فالرمز أحياناً يبقى علامة محفورة في جسد الكيان كوشم لا يقبل الزوال.

وأما عن سبب تعملق بعض الرموز وقبول الأمة بها؛ فيكون بحسب ما توفي من حاجة الأمة وما تسد من ثغراتها،

والدكتور القرضاوي هو ذلك المتوسع في علوم الدين كلها رأسياً وأفقياً، فمن الأصول والعقيدة إلى التربية والرقائق، ومن الجهاد إلى فقه الطهارة.

مميزات ومآخذ

وتبقى مدرسة الشيخ القرضاوي ولها مميزاتها وعليها مآخذها، والتي ربما تخضع في قبولها وردها لتنازع طرفي النقيض؛

فبين غال فيها لا يقبل فيها نقداً ولا رداً، وبين مهدر لا يقبل فيها صرفاً ولا عدلاً،

رغم تراجع الشيخ الفقيد نفسه عن بعض مذاهبه ورؤاه وفتاويه والتي دفع عنها دراويش المدرسة بغير حق.

ولعل التوسط الذي هو سجية أمتنا وطبيعتها ومرتكز أحكامها وشرائعها هو الصواب، وهو ما يرضي الله ويوافق الإنصاف.

رحم الله الشيخ العلم العلامة يوسف القرضاوي وغفر له وزاد في إحسانه وتجاوز عن سيئاته وتقبله في الصالحين.    

من عبد الرحمن محمد جمال

مدرس بجامعة دارالعلوم زاهدان - إيران، مهتم بالأدب العربي وعلوم الحديث وقضايا الفكر والوعي الإسلامي.