في ظل المد الشيعي بعد الانتصار النسبي لـ«حزب الله» في لبنان، وتولي الشيعة السلطة في العراق، وتمدد الشيعة في سوريا على حساب أهل السنة بعد التآمر على الثورة السورية واحتوائها، وبعد النجاحات التي يحققها الحوثيون لتأكيد مشروعهم المذهبي في اليمن، ومع استمرار إيران في مشروعها النووي، وفي ظل الممارسات اليومية للسياسة الإيرانية في المنطقة، وفي ظل ممارسات وتصريحات طائفية متطرفة لقادة الشيعة في العراق وإيران، أصبح الكلام عن «الهلال الشيعي» ليس ليًا لأعناق الأمور وليس تجنيًا على إيران وكراهية لها وليس ادعاءات لا أساس لها، ولكنه أصبح حديثًا عن واقع يتحدث عن نفسه.

لقد حاول الباحث السعودي نواف عبيد، مدير وحدة بحث مستقلة تُدعى «المشروع السعودي لتقييم الأمن الوطني»، وفي دراسة تستند إلى حقائق وأرقام، تفنيد نظرية المد الشيعي في المنطقة، وأكد الباحث استحالة قيام هلال شيعي يمتد من إيران إلى البحر المتوسط،

وبنى نظريته على الآتي:

– بالنسبة لعدد السكان: عدد السنّة الإجمالي: 1.17 مليار نسمة (84.6 % من مجموع المسلمين).

ولدى ستّ دول إسلامية كبرى غالبيّة سنّية:

إندونيسيا وباكستان والهند وبنغلادش وتركيا ومصر. السعودية، البلد الأغنى في العالم الإسلامي ومهد الإسلام، هي دولة سنّية محورية.

بينما عدد الشيعة الإجمالي: 213 مليون نسمة (15.4 في المائة من مجموع المسلمين).

لدى أربع دول فقط غالبيّة شيعية: إيران وأذربيجان والعراق والبحرين. (الشيعة مجموعة كبيرة في لبنان لكنّهم ليسوا غالبيّة مطلقة).

إيران هي القوّة الشيعية الأساسية.

تنقسم الطائفة الشيعية إلى ستّة مذاهب مختلفة: الطائفة الأساسية والأكثر تأثيرًا هي الجعفرية (مدرسة الفكر الرسمية في إيران والعراق، والشيعة العرب في الخليج).

بالإضافة إلى ذلك، هناك مذاهب عدّة مرتبطة بالطائفة الشيعية لا سيّما الإسماعيليين والعلويين والزيديين.

بالنسبة لتوزيع القوى الاقتصادية:

السعودية (السنّة) وإيران (الشيعة) هما قوّتان إقليميّتان أساسيّتان، والمقارنة بينهما مفيدة.

إجمالي الناتج المحلي في السعودية أعلى من إجمالي الناتج المحلي في إيران بستّين في المائة.

(والرقم الذي يعطيه المصرف المركزي عن إجمالي الناتج المحلّي الإيراني أقلّ بعشرين في المائة من الرقم الذي يعطيه صندوق النقد الدولي).

تفتقر إيران إلى القوّة الاقتصادية لتحقيق طموحاتها الإقليمية أو دعم بلدان أخرى ذات غالبيّة شيعية.

الدخل الفردي الإيراني هو من بين الأدنى في الشرق الأوسط (أقلّ ب25 في المائة من الدخل الفردي السعودي).

الغالبية الساحقة من القوى الاقتصادية في العالم الإسلامي هي دول سنّية.

– بالنسبة لتوزيع موارد الطاقة: السعودية هي أكبر منتج ومصدِّر للنفط في العالم.

الإنتاج الإيراني هو أقلّ من نصف الإنتاج السعودي، والصادرات الإيرانية أقلّ بأربع مرّات من الصادرات السعودية.

على الرغم من كلّ ما يقال عن «سلاح النفط» الإيراني، ليست إيران سوى رابع مصدِّرة بعد السعودية وروسيا والنرويج.

بحلول منتصف 2007م، أصبحت الطاقة الاحتياطية السعودية موازية لكلّ الصادرات الإيرانية.

عائدات النفط السعودية أعلى بأربع مرّات من عائدات النفط الإيرانية التي هي قريبة من العائدات في بلدان الخليج الصغيرة مثل الإمارات العربية المتّحدة أو الكويت.

بالنسبة للقوة العسكرية:

تملك إيران واحدًا من الجيوش الأقوى والأكثر قدرةً في المنطقة، لكنّه لا يزال متخلّفًا جدًا عن الجيش الصهيوني، القوّة العسكرية العظمى في المنطقة.

ونحن لا نتفق مع الباحث في كل ما ذهب إليه، فإيران تستطيع تحقيق حلم الهلال الشيعي، وهي تحققه فعلاً على أرض الواقع،

والعرب مفعول بهم لا يستطيعون الرد،

فهم مجتمعون لم يستطيعوا مواجهة المشروع الإيراني والتمدد الشيعي في العراق ولا لبنان ولا سوريا ولا اليمن،

بل التشيع نشط في كل الدول العربية بما فيها مصر والسعودية والجزائر والمغرب والسودان.

مشروع الهلال الشيعي يمكن أن يتوقف، فقط إذا تدخل الغرب ليمنعوه، لكنه يتحقق على أرض الواقع منذ سنوات ولم يتدخل الغرب،

لأنه يعلم أن قوة إيران ليست إضافة للعالم العربي والإسلامي، بل هي خصم من قوته،

كما كانت الدولة الصفوية الشيعية شوكة في خصر دولة الخلافة الإسلامية العثمانية.

من د. منير جمعة

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين