في عصرنا فتنة فكرية كبيرة!!… يُمكن تسميتها بـ: [تضخم التفسير والتحليل السياسي للمعارف التراثية]

فإنّ هذا العصر الذي توغلت فيه السياسة في كل شيء حتى وصلت إلى الخبز الذي نتناوله.

وصارت الدولة الحديثة هي المهيمن الرئيس على مدركاتنا العقلية والحسية، نظرا لردة فعل عنيفة جرت بسبب وصاية دينية ثيوقراطية (منحرفة) تدخلت في أحوال العباد…

فقد كان لهذا الجو المحتقن بالسياسة ؛ قد طغت فيه تحليلات الناس العصريين في تحليل سابقات الأحداث من قديم الزمان وصار تفسيرهم لكل شيء أنه سياسة!

فجمع القرآن كان عملا سياسياً!

وآراء الفقهاء كانت نتيجة تدبيج فقهي سياسي لتكريس حكم السلطات السابقة، بل الفقه الذي ندرسه كله – حسب رأيهم – فقه أموي / عباسي فقط !

وكذلك الأحاديث النبوية المجموعة كان الرواة قد قاموا بها لنصرة أهواء سياسية.

وعقيدة أهل السنة والجماعة هي عندهم نتاج إغراقات وانغلاقات سياسية بحتة وليس لها علاقة بالعقيدة الإسلامية…

ماذا بعد!

لقد تضخمت السياسة في مدركاتهم..

وقد داهمت عقولهم هواجس السياسة وتوجساتها وهمساتها في هذا العصر لم يسبق لها مثيل..

لهذا نجد الادعاءات الحديثة العصرية تكثر في تفسير أي أمر شرعي بأنه هوى سياسي ليس إلا !

وتراهم ينبشون أوراق الماضي، يبعثرون ما بين القبور؛ علهم يجدون لأنفسهم كلمة هنا وعبارة هناك وموقفا لتأريز أو تأزير رأيهم الدعي و المتداعي..!

وفي كل عصر فتنة ومن فتن هذا العصر:

( تضخم التفسير والتحليل السياسي للمعارف القبلية)

نعم!

لا يمكنُ لنا أن ننسى أنّ ثمّة تقصيرٍ لدى بعض الفقهاء المعاصرين في فهم بيئة الحكم الفقهي والظروف التي وُلدت فيه؛

ولهذا فإنّني أجدُ لزامياً ضرورة تفعيل مفهوم القرينة والسياق وأحوال البيئة والزمكان (الزمان والمكان)

والرخص الاستصلاحية، ومقتضيات قول الفقهاء في قولهم:

(وعليه العمل) أو (عموم البلوى) في دراسة المتن والشرح الفقهي إضافة لاجتهادات القضاة وأهل الفتوى…

ذلك كله قد يفسر معرفة الظروف المحيطة للمعرفة المعتدلة في فهم سؤال:

[كيف تكون وتشكل رأي الفقهاء؟]

ليس معنى هذا أن ننكر أن يكون لبعض الآراء الاعتقاديّة مثلاً تأثُّرٌ سياسي؛

فمجال حديثنا هنا ينصبُّ في إبراز حالة ( الغلو/ المبالغة/ التضخم) في التفسير السياسي.

أما هل يمكن أن يكون لبعض الآراء العقائدية أو الفقهية دور في التأثر من الجو السياسي إذ ذاك..

فهذا لا أنكره..

ولكن السؤال ينبغي أن يكون بحثنا تجريديا دقيقا وهو:

هل تشكل موضوع القضاء والقدر كان سببه (الوحيد) أو (الرئيس) سياسي،

أو أن ثمة تشكلات أخرى كانت تؤدي دورها هي كذلك في موضوع الرأي ذاك!

إنّ تفسير الأحداث في كثير من حالاته يقتصر على سبب واحد وقد تكون ثمة اسباب أخرى كذلك؛

بل قد يكون السبب الظاهر ليس السبب الرئيس .

محصَّل القول

أنّه قد يتأثر جو الانحراف بالتأثير السياسي فقهيا وتفسيريا ورواية؛

لكننا لا نظن بأكابر الفقهاء والمحدثين والمفسرين أنهم قاموا بأعمالهم طمعاً أو رغباً في تأثر سياسي؛ ولم نقف على حقائق تُثبت ذلك.