استطاعت مجموعة من أبناء الإخوان أن تلف قيادات مؤسسات الجماعة بغبار كثيف من الاتهامات بالفشل واللاشرعية والعجز والسرقة والخيانة؛ وأنشأت كيانا صغيرا أسمته «جماعة الإخوان بالخارج»؛ فرض نفسه إعلاميا من خلال فضائيات تنشر أدق الأخبار من حواري مصر وأزقتها وتتجاهل بيانات مجلس شورى الإخوان العام!

ولتشابه جزئي بين القصتين، تجدر هنا الإشارة إلى نموذج انفصال قياديي حزب التنمية والعدالة التركي عن حزب الفضيلة ذو المرجعية الإسلامية الذي أسسه نجم الدين أربكان.

تعرضت الجماعة الأربكانية لهزة عنيفة بداية من انتخاب أردوغان رئيسا لجناح الشباب. ترقى أردوغان وأصبح من أبرز قيادات التيار التجديدى الذي وصف قادة التيار التقليدي بالتحجر السياسي، والجمود الأيدولوجي، وبفردية تجبر الأعضاء على الطاعة العمياء.

اشتد الخلاف بين التيارين التقليدي والتجديدي، إلى أن تم حل حزب الفضيلة؛ فأسس أربكان حزبه الرابع “السعادة”، وقرر التجديديون الانفصال وإنشاء حزب العدالة والتنمية.

بزغ نجم حزب العدالة والتنمية كمجدد للفكر السياسي الإسلامي المنفتح على العلمانية، كما أنه أبدى مرونة نحو المعاملات مع الكيان الصهيوني، وأمام نجاحاته المتتالية زاد افتتان أعضاء الجماعة الأربكانية به وانحسر الإقبال على حزب السعادة. كنت أظن أن محاولة استنساخ تجربة العدالة والتنمية يراد تنفيذها من خلال حزب الوسط المصري، لكن ذلك لم يحدث.

بعد الانقلاب المصري، استقر الناجون من قيادات جماعة الإخوان المسلمين في تركيا؛ لكن يبدو أن من التيار المجدد داخلها من أراد تطبيق نموذج المجددين الأربكانيين، ولكن عبر انتحال شخصيات متخذي القرار بمؤسساتهم الشرعية.  

قرر أردوغان ومن معه أن يتركوا القطار القديم ويستقلوا مترو الأنفاق لأنهم أرادوا وجهة مختلفة؛ لكن مدعي التجديد داخل جماعة الإخوان اجتمعوا على أن يلقوا بقائد قطارهم الخبير من الشباك.

أعلن الكيان المجدد المنتحل لجماعة الإخوان المسلمين بقيادة الأستاذ إبراهيم منير الانقلاب؛ فأقال مجلس الشورى، والأمين العام وأحال قيادات بارزة للتحقيق، وعين متحدثين، ومسئولين، ولجان، متجاهلا بيانات الجماعة الشرعية بإعفاء منير وثلاثة عشرة شخصية معه!

لا توجد اختلافات تذكر بين سياسات وأخلاق الانقلابيين سواء كان انقلابهم على أنظمة حكم دول، أو داخل أحزاب، أو جماعات، أو حركات، أو داخل مؤسسات عمل عام، أو خاص، أو داخل أسرة، أو حتى داخل العلاقات الاجتماعية.

يشبه انقلاب مجددي الإخوان على قياداتهم انقلاب السيسي على الرئيس مرسي، فقد اعتمدوا على أسلوب الشائعات، والاتهام دون دليل، والتسريبات، والغمز واللمز، وابتزاز مشاعر العامة باستخدام ورقة المعتقلين.

زور الكيان المنتحل شهادة وفاة الإخوان بالداخل المصري، وادعى تجاهل الشورى مبادرات للم الشمل؛ وأخيرا بايع منير مرشدا تحت مسمى القائم بالأعمال على اعتبار أن محمد بديع لا أمل في الإفراج عنه، وإن خرج سيكون الكيان الصغير قد انتفش وابتلع الجماعة وتفاهم مع النظام المنقلب، بحيث يكون وجود المرشد الشرعي والقيادات السابقة في حكم العدم.

لفتت نظري مؤخرا مجموعة من الأخبار التي تجعل انقلاب منشقي الإخوان يبدو كاستجابة لضغوط دول ساومت الجماعة منذ بداية مشاركتها السياسية بعد ثورة يناير، ومنذ إعلان تقديمها مرشحا للرئاسة، والأسوأ هو أنها تمثل استجابة لشروط المنقلب التي ساوم عليها الرئيس مرسي وقيادات الجماعة في السجون.

باعتذار مقنع عن ثورة يناير،

استسلم للأمر الواقع  كل من ثار ودعم ثورة يناير-فيما عدا جماعة الإخوان المسلمين-وانخرطوا في محاولات حثيثة للتطبيع مع النظام المنقلب تدفع نحو حلحلة الوضع في المنطقة عبر تفاهمات يتمناها المنقلب لتقيله من عثرته السياسية وتحتاجها الدول المحيطة لتنال حظها من الوليمة المصرية قبل أن تنتهي أيام «رئيس المزاد».

إليكم بعض التصريحات:

دعا السيسي لإجراء حوار وطني، ثم عاد فأكد أن من تلطخت أيديهم بالدماء-من يؤمنون بانعدام شرعيته-غير مدعوين.

أعلن أحمد ماهر مؤسس حركة 6 ابريل أن الحركة ليست في عداء مع السلطة، وأن التحول الديمقراطي الهادئ أفضل من الثوري السريع، وأنه يتحتم على المعارضة في الخارج أن تدرك الواقع، وأنه يرفض أي مصالحة مع الإخوان قبل إجراء مراجعة فكرية حقيقية والاعتذار للشعب المصري، وأعلن أن الحركة قد توافق على الإندماج في حزب سياسي.

نشر موقع مدى مصر، أن زيارة محمد بن سلمان إلى القاهرة كانت  لتسريع التقارب مع تركيا، والمصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين، وافق ذلك تصريح أردوغان المتحفظ عن رغبته في التوصل لاتفاق مع الشعب المصري.

صرح منير مرشد الكيان المنتحل أن الجماعة لن تخوض صراعا جديدا على السلطة، حتى لو كان بين الأحزاب في انتخابات سياسية أو غيرها تديرها الدولة!

أكد النظام المصري في أن اندلاع سلسلة حرائق في بعض الكنائس كان أكبرها هو حريق كنيسة المنيرة سببها حدوث ماس كهربائي مع أن العادة جرت على اتهام الإخوان بكل الحوادث منذ بدء الانقلاب، وبرغم محاولات رجل أعمال شهير مساومة النظام على العودة لاتهامهم، وكأنه يعرف أن هناك نية للمصالحة!

دعا الريسوني -رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- الحركة الإسلامية إلى الابتعاد عن الصراع على الحكم والسلطة!

مؤخرا، أوضح صهيب متحدث الكيان المنتحل أن أولويات الجماعة هي العمل الاجتماعي بعيدا عن الصراع على السلطة وأن الجماعة عرضت رؤيتها السياسية على رموز من خارجها لتقييمها؛ كما أعلن المسئول السياسي عن الكيان الدكتور حلمي الجزار عن تنازل الجماعة عن العمل السياسي، واعتذر عن تقديم الإخوان مرشحا رئاسيا!

يخطئ المقبلون على فكرة تنازل جماعة الإخوان عن مشاركتها السياسية منذ 2011، وحتمية تراجعها عن العمل السياسي، واكتفائها بالعمل الدعوي والاجتماعي، عندما يظنون أن حل المعادلة الصفرية التي فرضها منقلب مصر إنما يكمن في اعترافها بنظامه، وفي اختلاق جماعة بديلة تقبل الخضوع.

إن السياسة هي لعبة تجارية، ومن لم يفهم ذلك لن يحصد فوزا؛ إنها لعبة النفس الطويل، والمساومات اللانهائية.

إن من يسعي للمصالحة مع النظام المنقلب، لابد أن يدرك أن الشيطان لن يحقق أمنياته، بل سيمنحه الوهم في مقابل أن يهبه روحه مدى الحياة.

من أحمد أبو زيد

كاتب صحفي، وباحث في الفكر الإسلامي