الصوفية اهتمت بالباطن فقط فضلت.. ثم تصالحت مع الاستعمار ودعمت الحكام الظلمة!!

 هذه هي وقفتنا الأولى مع الذين خرجوا عن توازن التدين بين الظاهر والباطن،

وليتهم قدموا فقط الباطن على الظاهر، بل أهملوا الظاهر وخاضوا في الباطن حتى رسموا له حدودًا من عندياتهم.

 ونقصد بكلامنا هذا كثيرًا من المتصوفة، الذين انحرفوا في فهمهم إلى منزلق التهاون بالتكاليف الشرعية الظاهرة، بحجة أن الدين حقيقة وشريعة أو علم ظاهر وعلم باطن،

وأن الحقيقة (علم الباطن) هي أساس التدين، والعبادة الظاهرة إنما وضعت للوصول إليها،

فمتى ما ارتقى مقام السالك إلى الحقيقة صارت العبادة الظاهرة بالنسبة له شكليات هوفي غنى عنها.

 وهكذا وصل الأمر إلى حد الاستهانة بأركان الدين الظاهرة، فوجدنا من أئمة الصوفية من يتوضأ باللبن،

ثم وجدنا ادعاءات كثير من الغافلين منهم بأن شيخهم صلى بهم العصر ثم طار إلى مكة وعاد ليصلي بهم المغرب،

وهم من تحدثوا عن طيران شيوخهم في النعوش.. الخ.

وهكذا وصل بهم الأمر إلى حد الجنون واللامنطق والزيغ والضلال عن توازن الإسلام الذي علمّه رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة.

 لكننا يجب أن نؤكد هنا للأمانة العلمية أن الصوفية أطياف واسعة.. من المقبول إلى المغالي المخبول المغيب،

وهم ليسوا درجتين فقط، بل درجات كثيرة، متدرجة فيما هي عليه من مقدار الحق ومقدار الضلال والزيغ.

 لكن بشيء من الاستقراء والمتابعة والحصر، نستطيع أن نقول باطمئنان،

إن الجمهور الأعظم من الطرق الصوفية في مصر فقد البوصلة الصحيحة ولديهم من الانحرافات ما يكفي للزيغ والضلال.

ضد الصحوة الإسلامية

 بحكم عملي الصحفي، كنت أعد ملفًا عن الطرق الصوفية والعمل السياسي،

وكان ملفًا متنوعًا يحتوي بجانب مواد أخرى على حوار مع أحد مشايخ الطرق الصوفية،

فاخترت شيخ أكبر طريقة ولديه دار نشر ومجلة شهرية،

وقابلته أكثر من مرة، وتعرفت على أفكاره بشكل جيد،

كما أهداني أكثر من عشرين كتابًا من إصدارات دار النشر التي يملكها، وقد هالني كم الانحراف في الفهم والهدف والأولويات،

كما هالني أن أجد أن الموضوع الرئيس في كل عدد من مجلته،

إنما هو ضد الصحوة الإسلامية وفكرها، فهي عدوهم الأول، ومجلتهم تنضح بكراهية ابن تيمية والهجوم عليه وسبه.

 للعلم، شيخ هذه الطريقة الآن عضو بارز في مجلس النواب، مع ما يمثله هذا المجلس الآن سياسيًا وفكريًا ودينيًا.

وهذا يقودنا إلى قضية بالغة الأهمية وهي أنه على مدار تاريخنا الحديث على الأقل،

كانت الطرق الصوفية عمودًا من أعمدة دعم ومساندة الحكام الظلمة والأنظمة السياسية الديكتاتورية الفاسدة،

لذلك فإن هذه الطرق تحظى بالدعم الرسمي،

حيث ترى الأنظمة والحكومات فيها الصورة المثلى للإسلام (اللذيذ الخانع الذليل المشوه المفرغ من كل معنى).

متصالحة مع الاستعمار

 ومثلما كانت الطرق الصوفية داعمًا أساسيًا للأنظمة السياسية الشمولية الباطشة،

فإنها كانت أيضًا متصالحة مع الاستعمار في بلاد المسلمين، فتعاونت معه وحرمت الخروج عليه،

وهكذا عطلت جهارًا نهارًا فريضة الجهاد، وسقط واختل في عقولهم سلم الأولويات بصورة لا يصدقها أي عاقل.

 وكما أكدنا في البداية على أن الصوفية طيف واسع،

نؤكد الآن أننا رأينا عبر تاريخنا الإسلامي صوفية مجاهدة نشرت الإسلام ودافعت عنه في آسيا وإفريقيا وفي الأناضول..

لكن هذه الصوفية انقرضت مع الزمن وأصبحت غير موجودة الآن.

 وإذا جاز لنا أن نعتبر الزوايا السنوسية في ليبيا نوعًا من الصوفية، فإننا نؤكد أنها كانت صوفية منضبطة شكلاً وموضوعًا،

صوفية مجاهدة ولم تتلوث بدعم الاستعمار أو الاستبداد السياسي،

وفرق هائل بين انضباط صوفية السنوسية الليبية وتفلت وضلال الطرق الصوفية المصرية.

 في النهاية، فإننا لا يمكن أن ندعم الصوفية التي تذهب بعقل المسلم وتغيبه،

ثم تبتدع إطارًا جديدًا للتدين يركز على الباطن بمنهجية خاطئة،

لكننا ندعم الصوفية العاقلة المجاهدة المتزنة،

التي تؤدي أركان الدين الظاهرة، ولا تنحدر لمستنقع دعم الظلم والاستبداد والاستعمار، ثم بعد ذلك لها أن تهتم بالباطن كما شاءت،

شريطة ألا يتعارض هذا الاهتمام مع ثوابت الدين الحنيف ومقاصده وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم.

من د. منير جمعة

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين