الأمة ووكالات

زيارة ئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان،  الجزيرة التي تقع جنوب شرق الصين، وتدعي بكين سيادتها عليها، فيما تدعمها واشنطن سياسيًا وعسكريًا، زادت من حدة التوتر القائم أصلًا بين الصين والولايات المتحدة، وأشاطت المسؤولين الصينيين غيظًا، تطلب تصريحات متتالية من وزير خارجية الصين، واستدعاء السفير الأمريكي في بكين، وإبلاغه ذلك مباشرة.

 

جذور الخلاف

وتعود جذور الخلاف بين القوتين العالميتين إلى سياسة “الصين الواحدة” التي تعني أن هناك دولة صينية واحدة وتايوان جزء منها، وفقا لبكين، فيما ترفض واشنطن بموجب “قانون العلاقات مع تايوان” الاعتراف بالسيادة الصينية على تايوان.

 

وعززت بكين الضغوط العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية منذ انتخاب تساي إينغ-وين رئيسة لتايوان في 2016، إذ تعتبر الرئيسة الجزيرة “مستقلة بالفعل” وليست جزءا من “صين واحدة”.

رد بيلوسي

 

وأكدت رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، التي وصلت تايوان في زيارة مثيرة للجدل، الثلاثاء، أنها قدمت إلى هناك للوفاء “بتعهد” قديم، مشيرة إلى أن الزيارة توجه “رسالة لا لبس فيها” بشأن الوقوف إلى جانب الجزيرة، مؤكدة كذلك أن الزيارة “لا تتعارض مع سياسة الصين الواحدة”.

 

وتحت عنوان: “لماذا أقود وفدا من الكونغرس إلى تايوان؟” أشارت بيلوسي في مقال رأي نشر بصحيفة واشنطن بوست إلى قانون العلاقات مع تايوان، الذي أقره الكونغرس قبل 43 عاما، ورفضت واشنطن بموجبه الاعتراف بالسيادة الصينية على تايوان، ونظم العلاقات مع الجزيرة.

 

وقالت إن هذا القانون “وفر الإطار اللازم لعلاقة اقتصادية ودبلوماسية من شأنها أن تزدهر بسرعة لتصبح شراكة رئيسية. لقد عزز صداقة عميقة متجذرة في المصالح والقيم المشتركة: تقرير المصير والحكم الذاتي، والديمقراطية والحرية، وكرامة الإنسان وحقوق الإنسان”.

 

وأضافت أنها “تعهدت رسميًا” بدعم الدفاع عن تايوان، واعتبار أن “أي جهد لتحديد مستقبل تايوان بطرق أخرى غير الوسائل السلمية” هو “تهديد للسلام والأمن في منطقة غرب المحيط الهادئ ومثير للقلق الشديد”.

 

وتابعت: “اليوم، يجب على أمريكا أن تتذكر ذلك العهد. يجب أن نقف إلى جانب تايوان، جزيرة الصمود”.

 

وتشير في مقالها إلى أن الديمقراطية في تايوان باتت “مهددة” ففي “السنوات الأخيرة، كثفت بكين التوترات بشكل كبير” من خلال أشكال عسكرية متعددة، ما دفع وزارة الدفاع الأمريكية إلى استنتاج أن الجيش الصيني “يستعد لضم تايوان بالقوة”.

غضب الصين

وعادت قضية تايوان إلى الظهور مجددا، بعد الجدل حول زيارة بيلوسي ضمن جولة آسيوية بدأتها نهاية الأسبوع الماضي.

 

وأعربت الصين عن غضبها من هذه الزيارة، وقال المتحدث باسم الخارجية، تشاو ليجيان، إنه بسبب وضع بيلوسي “المسؤول الثالث للحكومة الأمريكية”، فإن زيارة تايوان، “ستؤدي إلى تأثير سياسي فظيع”.

 

وحذرت الصين الولايات المتحدة، الثلاثاء، من أنها “ستتحمل المسؤولية وستدفع الثمن” في حال وصلت بيلوسي تايوان.

وتعتبر بكين تايوان جزءا من أراضيها وتعلن أنها تريد أن تستردها بالقوة إن اقتضى الأمر. وهي حذرت واشنطن أكثر من مرة من مغبة قيام بيلوسي بزيارة الجزيرة والتي قالت إنها ستعتبرها استفزازا.

 

وفي أوكتوبر الفائت، حذر وزير الدفاع التايواني، من أن التوتر العسكري بين الصين وتايوان بلغ أعلى مستوياته منذ أربعة عقود، معتبرا أن بكين ستكون قادرة على القيام باجتياح كامل للجزيرة في 2025.

 

رد الخارجية الصينية

وأصدرت وزارة الخارجية الصينية، الثلاثاء، بيانا قالت فيه “في 2 من أغسطس، أقدمت رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، بعناد على زيارة منطقة تايوان الصينية، متجاهلة احتجاج الصين الشديد واعتراضها القاطع على تلك الزيارة (…) التي تزعزع بشدة الأساس السياسي للعلاقات الصينية الأمريكية، وتضر بشدة كذلك بسيادة الصين ووحدة أراضيها، وتقوض بشدة أيضا السلم والاستقرار في مضيق تايوان، وترسل إشارة قوية خاطئة للقوى الانفصالية لاستقلال تايوان. وقد قدمت الصين احتجاجا واعتراضا شديدين للجانب الأمريكي بهذا الشأن”.

 

وأوضحت الخارجية الصينية أنه لا توجد في العالم سوى صين واحدة، وتايوان هي جزء لا يتجزأ من أراضيها، وأن حكومة جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل الصين.

وقد أكد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2758 الذي صدر عام 1971 على ذلك بشكل واضح. فمنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، أقامت 181 دولة علاقات دبلوماسية مع الصين على أساس مبدأ “صين واحدة”، وهو المبدأ الذي يتفق عليه المجتمع الدولي والمبدأ الأساسي للعلاقات الدولية.

 

وأشارت إلى أن سلطات تايوان “تقوم بطمس طابعها الصيني على نطاق واسع، وتتخذ تدابير متعددة لتحقيق استقلال تايوان التدريجي”. ومن جانبها ظلت الولايات المتحدة تسعى إلى “احتواء الصين عن طريق تايوان”، وتستمر في تحوير وتشويه مبدأ “صين واحدة” وإفراغه من معناه، وتعزز التبادلات الرسمية مع منطقة تايوان، وتدعم وتشجع الأنشطة الانفصالية، وفقا للخارجية الصينية.

 

مناورات عسكرية صينية

وأعلنت وزارة الدفاع التايوانية، الأربعاء، أن التدريبات العسكرية الصينية التي أعلنت ردا على زيارة بيلوسي لتايبيه تنتهك بشكل خطير سيادة الجزيرة.

 

وقالت الوزارة إن المناورات الصينية تنتهك المياه الإقليمية والمجال الجوي لتايوان، وشكلت حصارا بحريا وجويا عليها.

 

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع التايوانية سون لي-فانغ في مؤتمر صحفي إن “بعض قطاعات المناورات الصينية تتداخل (…) مع المياه الإقليمية لتايوان”. وأضاف أن “ذلك عمل غير عقلاني يهدف إلى تحدي النظام الدولي”.

 

وأضافت الوزارة خلال مؤتمر صحفي، أن الصين تواصل شن حرب نفسية على تايوان، وأنه يجب على المواطنين عدم تصديق الشائعات وإبلاغ الحكومة بأي أخبار كاذبة.

 

من جانبها قالت وزارة الخارجية التايوانية إن “إشعار الصين لتايوان بعدم دخول الطائرات لمناطق المناورات في المياه القريبة من الجزيرة، هو استفزاز يتحدى النظام الدولي”.

 

وأكدت أن “تايوان ستظل على اتصال مع دول من بينها الولايات المتحدة لتجنب تصعيد التوترات”.

 

وردت الصين على وصول بيلوسي إلى تايوان في وقت متأخر من مساء الثلاثاء بإطلاق مناورات عسكرية قرب الجزيرة.

 

استدعاء السفير الأمريكي

واستدعت الصين، الثلاثاء، السفير الأمريكي لديها احتجاجا على زيارة بيلوسي لتايوان.

 

وأعرب نائب وزير الخارجية الصيني، شيه فنغ، خلال حديثه مع السفير، نيكولاس بيرنز، عن “احتجاجات قوية” لبلاده على زيارة بيلوسي للجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي وتعتبرها الصين جزءا من أراضيها.

 

ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن شيه قوله “هذه الخطوة شنيعة للغاية بطبيعتها وعواقبها وخيمة جدا”، مضيفا “الصين لن تقف مكتوفة اليدين”.

 

تصاعد التوتر

وأدت زيارة بيلوسي، أرفع مسؤولة أمريكية منتخبة تصل تايوان منذ 25 عاما، إلى تصاعد التوتر بين أكبر اقتصادين في العالم، إذ اعتبرتها بكين بمثابة استفزاز كبير.

 

وقال شيه إن الولايات المتحدة “ستدفع ثمن أخطائها”، وحض واشنطن على “المعالجة الفورية لتصرفاتها الخاطئة، واتخاذ إجراءات عملية للتراجع عن الآثار السلبية لزيارة بيلوسي إلى تايوان”، وفق شينخوا.

 

وقال شيه لبيرنز بحسب الوكالة الصينية “تايوان هي تايوان الصينية، وستعود تايوان في نهاية المطاف إلى حضن الوطن الأم. الشعب الصيني لا يخاف الأشباح والضغوط والشر”.

 

وأعلنت الصين، الأربعاء، تعليق استيراد بعض أنواع الفاكهة والأسماك من تايوان وتصدير الرمال الطبيعية إلى الجزيرة، ردا على زيارة بيلوسي لتايبيه.

 

وقررت إدارة الجمارك الصينية، الأربعاء، تعليق استيراد الحمضيات وبعض الأسماك من تايوان. وزعمت أنها رصدت “مرارا” نوعا من الطفيليات الضارة على ثمار الحمضيات وسجلت مستويات مفرطة من المبيدات الحشرية.

 

كما أعلنت وزارة التجارة من جانبها، “تعليق تصدير الرمال الطبيعية إلى تايوان” اعتبارا من الأربعاء، دون إبداء أي تفسير، بحسب فرانس برس.

 

وعادة يستخدم الرمل الطبيعي في صناعة الباطون (الخرسانة) والأسفلت، وتعتمد تايوان بشكل كبير على الصين في توريدها.