الأمة ووكالات

نشرت وسائل إعلام تركية تقارير تحدثت فيها أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين “عرض” على نظيره التركي، رجب طيب إردوغان إنشاء مصنع “بايكار” المنتج لصناعة طائرات بدون طبيا “المسيّرات” في روسيا.

 

ونقلت شبكة “سي إن إن تورك”، في الثامن والعشرين من شهر يوليو الماضي، أن إردوغان ذكر في أثناء اجتماعه مع أعضاء اللجنة التنفيذية المركزية لـ”حزب العدالة والتنمية” أن بوتين اتصل به مؤخرا، بشأن القضية المذكورة.

 

وقال إردوغان خلال الاجتماع، حسب الشبكة: “بوتين يقول: دعونا نعمل مع “بايكار”. والأخيرة هي الشركة المصنعة للطائرات من دون طيار في تركيا، وهي من زودت أوكرانيا بالمسيّرات، خلال الفترة الأخيرة، وسط حرب البلاد المستمرة مع روسيا.

 

وأثارت هذه القضية جدلا وتساؤلات، في وقت لم ترد فيه أي تفاصيل أخرى، بشأن ما أخبر به بوتين إردوغان، وهما الزعيمان اللذان سيلتقيا وجها لوجه في مدينة سوتشي، في الخامس من شهر أغسطس الحالي، تزامنا مع سلسلة من التطورات الإقليمية والعالمية.

 

وبعد يومين مما أثارته وسيلة الإعلام التركية صرّح المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن خلال برنامج على “قناة 7” التركية، في 30 من يوليو، أن بوتين خاطب إردوغان “نصف مازح ونصف جاد” بقوله: “أنت تعطي أوكرانيا طائرات بدون طيار. إذا أعطيتها لنا فنحن نرغب في شرائها”.

وتابع كالن مضيفا: بوتين قال ما قاله وابتسم إردوغان”.

 

بدوره أشار المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بسيكوف، عند سؤاله عن هذه الأخبار، أنه سيتم مناقشة التعاون العسكري والتقني في اجتماع بوتين وإردوغان بمدينة سوتشي، لكنه لم يخض في الكثير من التفاصيل، حسب وسائل إعلام روسية.

 

ويأتي ما سبق بعد فترة وجيزة من نفي الرئيس التنفيذي لشركة “بايكار” أي نية لتوفير الأسلحة لروسيا، حيث قال سلجوق بيرقدار لشبكة “سي إن إن”: “لم نسلمهم أو نزودهم بأي شيء، ولن نفعل شيئا من هذا القبيل لأننا ندعم أوكرانيا، وندعم سيادتها، ومقاومتها من أجل استقلالها”.

 

وكانت أوكرانيا أشارت إلى أن الطائرات المسيرة التركية التي كانت تمتلكها في بداية الحرب “أبلت بلاء حسنا” ضدّ القوات الروسية.

 

وبينما دانت تركيا الغزو الروسي لأوكرانيا، حاولت أيضا القيام بدور الوسيط بين الجانبين، ولم تنضمّ إلى العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتّحاد الأوروبي على موسكو.

 

وتتمتع الطائرات التركية المسيّرة، لاسيما “بيرقدار تي بي 2″، بسجل حافل بالنجاح ضد العديد من الخصوم في النزاعات، التي نشبت في كل من ليبيا وسوريا وناغورنو كاراباخ.

 

ولم تستخدم هذه الطائرات ضد جيش يتمتع بقدارت حربية إلكترونية متطورة وأنظمة دفاع جوي، حتى بدء الحرب الروسية ضد أوكرانيا، في الرابع والعشرين من شهر فبراير الماضي.

 

وكان وزير الدفاع الأوكراني، أوليكسي ريزنيكوف قد كشف، الشهر الماضي، أن أوكرانيا تلقت 50 طائرة مسيرة مسلحة من شركة “بايكار”، منذ بدء الحرب الروسية ضد البلاد، وهو الأمر الذي لم تؤكده أنقرة من جانبها.

 

مزحة

وفي الوقت الحالي بات السؤال المطروح خلف الكواليس ما إذا كانت تركيا وروسيا ستدخلان في الإنتاج المشترك والتعاون من أجل الطائرات بدون طيار، وعما إذا كانت روسيا “مغرمة بالفعل” بهذا النوع من المسيّرات، الذي يقول خبراء ومراقبون إنه غيّر على نحو ملحوظ من مسار الحرب الدائرة على ميدان الأراضي الأوكرانية.

 

وهناك سؤال آخر يتعلق بالأسباب التي دفعت بوتين لإثارة هذه “المزحة” في الوقت الحالي، ولاسيما قبل أيام من اجتماعه مع إردوغان في سوتشي، وبعد التقارير الأميركية التي أكدت أن موسكو تنوي شراء طائرات إيرانية بدون طيار، لتعديل كفة الحرب في أوكرانيا.

 

ويرى محلل السياسة الخارجية التركية والأمن المقيم في أنقرة، عمر أوزكيزيلجيك، أن هذه “النكتة” من بوتين تأتي “بعد أن عانت الطائرات الروسية بدون طيار في أوكرانيا، في مقابل الأداء والكفاءة العالية التي أثبتتها الطائرات التركية، فيما تبحث موسكو عما إذا كان بإمكانها الحصول على طائرات شبيهة من إيران”.

 

و”تفتقر روسيا إلى الطائرات بدون طيار، وبالتالي ستكون المسيّرات التركية خيارا ممتازا”.

ويضيف الباحث التركي لموقع “الحرة”: “الحاجة الروسية حقيقية، لكن تركيا ليست خيارا لروسيا، ولا روسيا أيضا عميلا محتملا لتركيا”.

 

و”لدى تركيا عتبة منخفضة في المتطلبات قبل مبيعات الأسلحة، ولكن عندما يتعلق الأمر بروسيا، فإنها لن تبيع الطائرات بدون طيار لها”.

 

ويوضح أوزكيزيلجيك أن أنقرة تستخدم ترسانتها من الطائرات بدون طيار “كميزان استراتيجي مضاد للعدوان الروسي في سوريا وليبيا وناغورنو كاراباخ وأوكرانيا. بيع الأنظمة سيكون له نتائج عكسية على المصالح التركية”.

 

ولا يوجد طلب رسمي من روسيا للحصول على الطائرات التركية حتى الآن، بينما يشير الباحث إلى أنه ومع ذلك “لا ينبغي النظر إلى المزحة التي وجهها بوتين لإردوغان على أنها عرض حقيقي”. “هي سخرية محسوبة استراتيجيا”، حسب تعبيره.

 

إمكانية حدوث صفقة

وتعد “بيرقدار تي. بي2” ثمرة جهود أنقرة منذ الثمانينيات، حتى أصبحت قوة كبيرة في مجال تصنيع الأسلحة.

 

وساعدت هذه الطائرة في ليبيا على عكس مسار الهجوم الذي شنته قوات المشير خليفة حفتر في عام 2019 ضد الحكومة المدعومة من تركيا المعترف بها دوليا في طرابلس، كما دعمت بها تركيا حلفاءها في سوريا مما كلف جيش النظام السوري خسائر بشرية ومادية كبيرة.

 

وفي 2020، استخدمت أذربيجان هذه الطائرات ضد أرمينيا بشكل واسع، إذ أنها استفادت منها لتدمير مواقع الجنود، والدبابات، والمدفعية، وأنظمة الدفاع الجوي، مانحة نصرا كبيرا لباكو، في صراع استمر أكثر من ثلاثة عقود.

 

أما في أوكرانيا، التي تعيش “أكبر هجوم على دولة أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية”، فلطالما أبدى الروس قبل بدء حربهم توجسا من الصفقات العسكرية بين كييف وأنقرة بخصوص “بيرقدار”.

 

وفي محادثة هاتفية جرت في ديسمبر 2021 بين الرئيس الروسي ونظيره التركي، أثار بوتين استخدام الأوكرانيين للطائرات بدون طيار تركية الصنع، واصفا ذلك بالسلوك “المدمر” و”النشاط الاستفزازي”، وفقا لبيان الكرملين.

 

لكن، وفي أعقاب ذلك، قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إنه “لا يمكن إلقاء اللوم على أنقرة في نشر أوكرانيا للأسلحة”، موضحا أن “أي سلاح تشتريه دولة ما من تركيا أو غيرها لا يمكن الحديث عنه على أنه سلاح تركي أو روسي أو أوكراني، وإنما يصبح ملكا للبلد الذي اشتراه”.

 

أنطون مارداسوف وهو محلل روسي وباحث في معهد الشرق الأوسط اعتبر أن الوضع الخاص بالطائرات بدون طيار “أصبح معقدا الآن لكل من روسيا وتركيا”.

 

ويقول مارداسوف لموقع “الحرة”: “يصعب على روسيا من ناحية الصورة الاعتراف بضرورة شراء معدات أجنبية، وخاصة الطائرات بدون طيار، وبالتالي الاعتراف بأخطاء التخطيط العسكري، وتطوير المجمع الصناعي العسكري”.

 

من ناحية أخرى، وبعد حربها القصيرة مع جورجيا في عام 2008، كانت موسكو قد اشترت نسخة من الطائرات الإسرائيلية بدون طيار، “مما يدل على أنه يمكنها التعلم من أخطائها”، وفق الباحث.

 

وفي حين أن عمليات تسليم الطائرات بدون طيار من إيران، الشريك المناهض للولايات المتحدة، أصبحت الآن “احتمالا حقيقيا”، يرى الباحث الروسي أن “الصفقة مع تركيا تبدو حساسة للغاية، نظرا لحملة العلاقات العامة الطويلة التي تقوم بها صناعة الدفاع والدفاع الروسية، لتشويه سمعة الطائرات التركية وخصائصها التكتيكية والتقنية”.

 

ومن وجهة نظر تركيا، “يمكن أن تكون الصفقة مع روسيا مربحة، لأن أنقرة لا تحتاج فقط إلى المكونات الإلكترونية، ولكن أيضا لمحركات الطائرات”.

 

ويشير مارداسوف إلى الشركات النمساوية والكندية، وعدد من الشركات الغربية التي جمّدت تصدير المحركات إلى تركيا، في حين أن التعاون بين الشركات الأوكرانية وشركة “بايكار” أصبح صعبا، “ومن غير المرجح أن تكون هذه الشركات قادرة على الوفاء بالعقود، وخاصة بشأن محركات الطائرة التركية المطوّرة نوع (أكنجي)”.

 

وبذلك يتابع الباحث: “يمكن أن تكون صفقة المقايضة، حيث تزود روسيا طائرات بدون طيار مقابل إمداد تركيا بمحركات طائرات مسيرة روسية، حلا مربحا. وهذا من شأنه أيضا أن يزيد من مساواة موقف تركيا، كمورد للطائرات بدون طيار لكلا طرفي الصراع”.

 

ماذا يريد بوتين؟

وفي غضون ذلك يرى الباحث التركي، عمر أوزكيزيلجيك أن بوتين أراد تحقيق شيئين من خلال “المزحة الساخرة”، الأول هو أنه “أراد التعبير عن استيائه من المبيعات التركية للطائرات بدون طيار إلى أوكرانيا”.

 

وحسب حديثه فإن “تركيا تصوّر مبيعات الطائرات بدون طيار على أنها تجارة، لكن بوتين أشار إلى أن الأمر ليس كذلك، من خلال طلب إنتاج مشترك مع روسيا”.

 

وعلاوة على ذلك “أراد بوتين أن يشير إلى إردوغان بأنه لا يوافق على الحجة التركية، ويدرك حقيقة أن تركيا تدعم بنشاط أوكرانيا ضد روسيا”.

 

كما أنه أراد، وفق أوزكيزيلجيك “قطع العلاقات داخل الناتو والنجاح في ذلك. تريد روسيا منذ سنوات إضعاف التحالف من الداخل”.

 

ومن خلال نشر الأخبار حول التعاون التركي الروسي المحتمل بشأن الطائرات بدون طيار، “يريد بوتين تعزيز حجج الكيانات السياسية المعادية لتركيا وزرع عدم الثقة داخل الناتو”، كما يقول الباحث التركي.

 

بدوره يوضح أنتون مارداسوف أنه “من غير المرجح أن يرضي هذا القرار الغرب، الذي قد يفرض عقوبات إضافية على تركيا لمثل هذه الخطوة”.

 

قرار جريء 

 

ولذلك يتوقع الباحث الروسي أن “نوعا من التعاون بين تركيا وروسيا في مجال الطائرات بدون طيار سيكون ممكنا، لكنه قد يتعلق بتبادل التكنولوجيا، وليس المنتجات بأكملها”.

 

“لا دخان بدون نار”

وعلى مدى الأيام الماضية تفاعلت الكثير من وسائل الروسية مع الحديث الأخير بين بوتين وإردوغان، وفي تقرير نشرته صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس” وصفت ما يجري، نقلا عن خبراء بأنه “لا يوجد دخان من دون نار”.

 

ونقلت الصحيفة عن الخبير في مجال الطائرات بلا طيار، دينيس فيدوتينوف قوله: “ربما يكون إردوغان، وعلى خلفية الشائعات عن احتمال تسليم إيران طائرات مسيرة من إنتاجها لروسيا، قد قرر جس نبض موسكو لمعرفة أفق الطائرات التركية لديها”.

 

وأضاف: “لم يتم تأكيد هذه المعلومات رسميا. لكن من يدري، فلا دخان بلا نار. باختصار، لا شيء شخصيا، فالبزنس هو البزنس”.

 

من جانبه يوضح المحلل السياسي المقرب من الخارجية الروسية، رامي الشاعر أن كل الأسئلة التي وجهت إلى الشخصيات الروسية المختصة بهذا الشأن “لم تلقى جوابا. لم يتم الرد عليها ولا حتى التعليق”.

 

ومن جانب آخر يقول الشاعر لموقع “الحرة”: “لا أساس لما يتم تناقله أن هناك تنافسا بين إيران وتركيا بخصوص التعاون مع روسيا، لإنتاج وتطوير المسيّرات، لأن الكل يعلم أن إيران تنتج هذا النوع من الطائرات”.

 

ولا يستغرب المحلل السياسي أن يناقش إردوغان وبوتين في سوتشي “موضوع تطوير التعاون التقني العسكري بين روسيا وتركيا، وإنشاء مختبرات ومصانع مشتركة بين لتطوير وإنتاج السلاح والعتاد، بما في ذلك المسيرات”.

 

ويضيف: ” أثق بأن أي مشاكل أو حتى الاختلاف في وجهات النظر في بعض القضايا بين روسيا وتركيا، لن تكون عائقا أبدا في تطوير علاقات التعاون بينهما، في كل المجالات”.

 

من جانبه يوضح باسل الحاج جاسم وهو مستشار سياسي وباحث في العلاقات الروسية التركية أن “موسكو تحتاج الطائرات بدون طيار بالتأكيد”.

 

ويأتي ذلك “بعد أحاديث وتسريبات متعددة عن طلب روسي من إيران لتزويدها بها، وأيضا على اعتبار تركيا زودت أوكرانيا بمجموعة من بيرقدار، و العمل كان جاريا على الإنتاج المشترك لهذا النوع من المسيرات. لكن الواضح حاليا تم تجميد ملف التصنيع المشترك في أوكرانيا”.

 

ويقول الحاج جاسم لموقع “الحرة”: “إذا كان كلام بوتين محدد بهذا الاتجاه فلا أعتقد هناك شيء يمنع العمل المشترك. هذه لن تكون المرة الأولى، حيث هناك تصريحات عديدة حول نقل التصنيع أو إنتاج مشترك في تركيا لصواريخ إس 400 الروسية الدفاعية”.

 

ومن شأن هذه الخطوة أن “تكون مرهونة بمزيد من التفاهمات التركية الروسية حول قضايا أبعد من موضوع الإنتاج العسكري المشترك، وتتعلق بمحلات إقليمية تتصدرها سورية اليوم”.

 

ويضيف الباحث: “حيث أن أنقرة تتجه لإنهاء ملفات المنظمات الإرهابية الانفصالية داخل الأراضي السورية. إذا لم يكن بالتعاون مع أميركا، فسيكون حتما بالتعاون مع روسيا والحلف الآخر”.