من يقرأ للآباء المؤسسين للأمن القومي الأمريكي مثل بريجنسكي وكيسنجر وغيرهم، سيجدهم في ذروة الحرب الباردة وبعد سقوط جدار برلين يتناولون روسيا في إطار «خدمة» الإستراتيجية الأمريكية الساعية لإطالة أمد «الهيمنة» على العالم في القرن الواحد والعشرين.

في تاريخ العلاقات الغربية الروسية لا أتذكر أني وجدت حربا دموية مهلكة وقعت بين الجانبين اللهم في ظل هجومي نابليون في أوائل القرن التاسع عشر وهجوم هتلر، وكلاهما فشل فشلا ذريعا لعوامل طبوغرافية وجوية. لكن روسيا اتحدت مع الغرب في إسقاط الدولة العثمانية، وتقسيم العالم الإسلامي، وفي الحرب العالمية الثانية ضد النازية.

هناك عدة احتمالات فيما يحدث اليوم بين روسيا وأوكرانيا ورؤية الغرب وعلى رأسه أمريكا لهذه التهديدات؛

الأول:

أن أمريكا في إطار أهداف إستراتيجية متوسطة وطويلة الأمد من مصلحتها عودة الهيمنة الروسية في القوقاز والبلقان وبلاد الشام، ومن ثم الإحاطة بتركيا وإضعافها بحصارها الجيوسياسي في البحرين الأسود والمتوسط. وهذا هدف يوناني فرنسي وربما ألماني أيضا.

الثاني:

أن أمريكا تريد توريط روسيا في حرب مع أوكرانيا لاستنزافها وإضعافها، خصوصا أن اقتصادها لا يسمح بحروب طويلة الأمد، ومن ثم تأديبها على توسعها المبالغ فيه في السنوات الأخيرة. ولو أرادت هذا لفعلته مع احتلالها للقرم وأوسيتيا وتدخلها في ليبيا والقارة الأفريقية.

الثالث:

أن القوة الأمريكية في حالة تراجع عالمي، والقوى التقليدية مثل روسيا والصين وغيرها تدرك هذه الحقيقة وتسعى لملء فراغات التراجع.

شخصيا أميل إلى الاحتمال الأول والثالث؛ اعتمادا على تاريخ العلاقات الروسية مع الغرب، والعلاقات الروسية مع تركيا الحديثة والعثمانية والعالم الإسلامي، وكذا علاقات روسيا مع أمريكا والعالم الغربي. خصوصا أن الرؤية الروسية للعالم اليوم هي رؤية أرثوذكسية يمينية واضحة المعالم ترى في العالم الإسلامي هو العدو الأول، والفرصة التي لا يجب التخلي عنها في التمدد العسكري والسياسي والديني وإضعاف الإسلام على أراضيه.

من د. بسام العموش

أستاذ العقيدة والفرق في الجامعة الأردنية