من المشاهد التي تستحق التأمل والوقوف عندها لمن يرصد مشاهد الحج ، مشهد جبل عرفات؛ ذلك لأن الوقوف بعرفة، من أهم أركان الحج كما هو معلوم،

ولأن منطقة عرفة كلها جبلية، والجبل له سفح وقمة فمن الحجاج من يبقي في سفح الجبل ومنهم من يتسلق الجبل ليصعد إلى قمته..

وإذا وضعنا في اعتبارنا انه في ذلك اليوم يقف ثلاثة ملايين فرد، علي الأقل، علي ذلك الجبل، يلبسون زيا واحدا هو ملابس الإحرام، كان علينا إذن أن نتصور كيف يكون منظر الجبل في ذلك الوقت..

وكان علينا أيضا أن نحاول قراءة الرسالة أو الرسائل التي يرسلها هذا المشهد خاصة وأنه مشهد يتكرر كل عام.

وعندما ننظر إلى المشهد ونتأمل عناصره وتفصيلاته نجد أنفسنا أمام عدة رسائل:

الرسالة الأولي:

وهي مشهد الإنسان وهو في أضعف حالاته حيث لا مجال للمقارنة بينه وبين الجبل الذي يضرب به المثل في القوة والصلابة والخشوع،

وأمام مشهده وهو في اعلي مقامات العبودية لله،

حيث يتجه إلى الله متجردا من كل ما كان يتميز به عن غيره من البشر من مال أو ولد أو متاع أو غير ذلك،

إنه في هذا المكان عبد لله وحده..

الرسالة الثانية:

مشهد الإنسان وقد تعددت جنسياته

وتنوعت ألسنته واختلفت ألوانه، حيث جاءوا من كل فج عميق

ولكنهم انصهروا وتوحدوا في كيان واحد وقومية واحدة، وزالت كل مظاهر التفرقة بينهم

بل وتلاشي البشر وانمحت معالمهم في وحدانية الله تعالي..

فاجتمع التوحد مع التوحيد في أعظم مظهر إنساني لا تجد له مثالا في أي مكان آخر من العالم.

الرسالة الثالثة:

مشهد الإيمان وقد تلاحمت فيه الطبيعة مع الإنسان، في إعلان الخضوع الكامل لله،

حيث ارتفعت الأيدي بالدعاء والرجاء ساعة نزول المطر، في مشهد مؤثر، تجلي فيه الضعف البشري مع القدرة الإلهية..

الرسالة الرابعة:

إن حياة الإنسان حيثما كان تحتاج إلى (وقفة) ينتقل فيها من سفح الجبل إلي قمته، كما ينتقل الحجاج من سفح الجبل إلى قمته،

كي يري الحياة علي حقيقتها، والأحياء علي حقيقتهم، ويدرك انه بهذه الوقفة لا يضل ولا يشقي، ومن غيرها تصير حياته معيشة ضنكا.

وفي هذه الوقفة يراجع نفسه: أفكاره وأعماله وأهدافه وطموحاته، فيمسك بالحقائق ويترك الأوهام والظنون

عندئذ تكون «الوقفة» قد حققت غرضها وغايتها وأنشأت حياة جديدة، وعمرا جديدا لصاحبها،

ولم تكن مجرد وقفة علي سفح الجبل أو قمته

وإنما كانت وقفة مع النفس لإنقاذها وإعادة ترتيبها

بصورة صحيحة، كي تستأنف السير، فيما تبقي لها

من عمر، علي بينة وبصيرة..

وهناك بلا شك رسائل أخري

من صابر علام

كاتب مصري