الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله الأمين الداعي إلى الحق والهادي إلى الصراط المستقيم بشيرا ونذيرا للعالمين.

عن عبدالله بن عمرو:

(إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العلَماءِ، حتّى إذا لَمْ يبْقِ عالِمًا اتَّخَذَ النّاسُ رؤُوسًا جهّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا)

أخرجه البخاري ومسلم

إن رسالة الله تعالى قائمة على العلم وهو معرفة الحقائق بأدلتها وبالتالي فهي رسالة لا تعارض العلم وحقائقه المبرهنة وشعار دين الله قوله تعالى:

(أَمِ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِهِۦۤ ءَالِهَةࣰۖ قُلۡ هَاتُوا۟ بُرۡهَـٰنَكُمۡۖ هَـٰذَا ذِكۡرُ مَن مَّعِیَ وَذِكۡرُ مَن قَبۡلِیۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ ٱلۡحَقَّۖ فَهُم مُّعۡرِضُونَ)

الأنبياء/24 

(قُلۡ هَاتُوا۟ بُرۡهَـٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ)

البقرة/١١١،

ومن أعرض عن الحق فإنما مرتكزه الهوى والباطل والجهل والضلال.

والحقائق بحسب ما تدل عليه النصوص الشرعية قد تكون شرعية وعقلية وحسية أو تجريبية أو عرفية أو لغوية

وكلها تشكل علما ولا تعارض بين قطعياتها مطلقا فصريح المعقول لا يعارض صحيح المنقول كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

وبالنسبة لكل علم يتم نقله وحفظه وتداوله من خلال العلماء العارفين والعالمين بخفاياه ودقائقه ويتم

فقد العلم وذهابه بذهاب العلماء وخاصة علماء الشريعة وفقهائها فكلما ذهب عالم بالموت

فقد ذهب حامل للعلم والمعرفة وربما تصدر غيره ممن ليس بأهل للتصدر وهذا ما أشار إليه الحديث النبوي الشريف أعلاه.

وفي الحديث بيان عن مكانة وأهمية أهل العلم في حفظه وبيانه وتوارثه وقد أكدت نصوص الشريعة ذلك في العديد من الآيات والأحاديث النبوية قال تعالى:

(یَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡ وَٱلَّذِینَ أوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَـٰتۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیر)

المجادلة/ 11

وقال تعالى: (إِنَّمَا یَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰۤؤُا۟ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ غَفُورٌ)

فاطر/28

وعن أبي الدرداء: (العلماءُ ورثةُ الأنبياءِ)  أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه.

 وعن أبي هريرة:

(مَن سلَكَ طريقًا يلتمِسُ عِلمًا، سهَّلَ اللهُ له طريقًا إلى الجنَّةِ.)

أخرجه مسلم وابن ماجه والترمذي وأحمد

صناعة العلماء

كما أن في الحديث دلالة واضحة على أن في ذهاب العلماء ذهاب للعلم وهذا يضاف لمكانتهم وقدرهم وما أقامهم الله فيه من حفظ رسالته ودعوته والقيام بالحجة على خلقه

كما فيه إشارة إلى أهمية الاستمرار في صناعة العلماء والسعي لتطوير طلبة العلم حتى يكونوا ورثة لمن قبلهم من أهل العلم وحملة الرسالة

وأن هذا من الواجبات والفروض الكفائية المطلوبة تأثم الأمة المسلمة إذا فرطت في ذلك

ولا يسقط عنها الإثم إلا بوجود من يقوم بالواجب الذي يسقط عن البعض بالبعض.

وكذلك يدل الحديث على أن من مخاطر عدم الاهتمام بالعلم وأهله ورعايتهم وتأهليهم تصدر غير المتأهلين

ليكونوا رؤوسا في الناس يتصدرون للفتوى ويقولون في الدين بغير علم وهذا من أعظم الكبائر لقوله تعالى:

(قلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّیَ ٱلۡفَوَ ٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ وَٱلۡبَغۡیَ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّ وَأَن تشۡرِكُوا۟ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ یُنَزِّلۡ بِهِۦ سلۡطَـٰنا وَأَن تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ)

الأعراف/33

(إِنَّمَا یَأۡمُرُكُم بِٱلسُّوۤءِ وَٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَأَن تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ)

البقرة/169 .

فأمر الدين والحديث (باسم الله) ليس أمرا هينا

ولا مكانا للتلاعب والأهواء لأن المطلوب هو تعبيد الخلق للخالق من خلال أوامره ونواهيه

وليس من خلال أهواء البشر وآرائهم والعالم ناقل ومبلغ عن النبي صلى الله عليه وسلم رسالة ربه للعالمين

فهو مؤتمن في ذلك متى ما كان ناقلا بصدق وعلم وعدل.

كما أن الحديث فيه دلالة على عدم استفتاء وسؤال غير الراسخين في العلم ممن تصدروا قبل التأهل

فهؤلاء خطرهم عظيم وخاصة عندما يتكلمون في قضايا الأمة العامة التي تحتاج لفقه في الدين والواقع معا

فكم من دماء سالت بفتوى من غير متأهل وكم من أمة أقعدتها كذلك فتوى من التحرك نحو التحرر والخلاص والنهضة والتطور

ويترتب على ذلك أمران عظيمان بنص الحديث (ضلوا) على صعيد الذات والنفس (وأضلوا) غيرهم ممن أخذ بفتواهم التي مبناها الجهل والتسرع.

والعلاج الذي نص عليه الشارع هو السؤال لمن لم يكن من أهل العلم والرسوخ في الذكر الحكيم قال تعالى:

(وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالا نُّوحِیۤ إِلَیۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوۤا۟ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ) النحل/43.

هذه بعض الوقفات والقبسات من نور النبوة مما ورد في الحديث أعلاه.

والحمد لله رب العالمين

من د. إبراهيم التركاوي

كاتب وباحث وكاتب في الفكر الإسلامي