…دروس في السياسة وتأثيراتها على الساحة التركمانية (6)

الأتراك والسياسة.. حلم «اُلوغ تورك» وزير «أوغوز خان» …

عودة مجددة إلى كتب التاريخ نجد أنَّ السياسة التركية قد بُنيت على أسس قويمة، اعتمدت على الذكاء والحكمة والفطنة، ومَكّنت الحكام من خلالها توحيد الصفوف وتوسيع رقعتهم الجغرافية والسياسية .

ويعتبر الحلم الذي رآه وزير «اُوغوز خان Oğuz Han» في منامه إحدى ركائز السياسة التركية التي مهدت له الطريق لتوسيع رقعته الجغرافية ونثر بذور تأسيس الدول والإمبراطوريات التركية التي حكمت بقاع العالم .

وقد رأى «الوغ تورك» وزير «اوغوز خان» في منامه قوسًا من الذهب يمتد من الشرق إلى الغرب وإلى جانبه ثلاثة سِهام فضية تتوجه رؤوسها نحو الشمال، وفسَّر حلمه بأن إله السماء «گوك تانرى» قد وهب لـ«أغوز خان» حكم مشارق الأرض ومغاربها.

وقد استنبط «اوغوزخان» من هذه الرؤية أن التقوقع بكل معانيه لا يجدي نفعا وأن عليه توسع رقعته الجغرافية نحو الشرق والغرب، وتمنى أن يتحقق حلمه، واتخذ سياسة حكيمة عندما قسَّم دولته بين أبناءه إلى ستة أقاليم …

وكان له ثلاثة أبناء من زوجته الأولى وهم:

«گون هان Gün Han»

و«آي هانAy Han»

و«يلدز هانYıldız Han»

وسمي أحفادهم «بوز أوقلار Bozoklar» ومعناها السِهام الرمادية، وأرسلهم نحو الشرق، أما أبنائه من زوجته الثانية فكانوا:

«گوك هان Gök Han»

و«دنيز هانDeniz Han»

و«داغ هان Dağ Han»

وسُمي أحفادهم «اوچ اوقلار Üçoklar» ومعناها السهام الثلاثة فأرسلهم نحو الغرب؛

ويعتبر السهم والقوس عند الأتراك رمز القوة والهيمنة.

وقد نشأ من كل واحد من أبنائه أربعة أفخاذ أو قبائل وبذلك أصبح عددهم أربع وعشرون قبيلة حسب ما أفاده رشيد الدين فيض الله الهمداني في كتابه جامع التواريخ.

واستند الهمداني على الثقل السياسي والاجتماعي في تصنيف قبائل الاُوغوز،

وأشار إلى أنَّ قبيلة «قايى Kayı» التي ينتسب إليها العثمانيون قد أسسوا الإمبراطورية العثمانية «1299- 1922م»

التي حكمت في ثلاث بقاع من الأرض بفضل سياستهم الحكيمة.

وقد حقق «عثمان غازي» حلم «اوغوز خان» في الأناضول وأنشأ دولة عظيمة بفضل سياسة وثقافة عميقة الجذور اكتسبها من أجداده العِظام.

إذن ما هي الدروس المستفادة من هذه المقدمة؟

وما هي تأثيراتها على الساحة السياسية التركمانية؟

من المعروف أن توحيد الصفوف هي من الضرورات القصوى للوصول إلى الهدف، والتشتت هو عكس التوحيد حسب سياسة فرق تسد،

وهي سياسة اتبعها البريطانيون في زرع بذور التفرقة والنفاق بين الشعوب التي أخضعتها تحت سيطرتها،

وتعتبر الهند نموذجاً حياً لهذه السياسة حيث زرعوا بذور التفرقة بين المقاطعات الهندية وتمكنوا من السيطرة على شبه القارة الهندية رغم التفوق العددي للهنود.

وقد طبقت بريطانيا السياسة نفسها في العراق عندما زرعت بذور التفرقة بين قوميات العراق المتآخية وسمَّت المناطق بمسميات مختلفة،

وكان التركمان ضحية هذه السياسة حيث رسخ البريطانيون في عقول العراقيين أن التركمان هم من بقايا الدولة العثمانية،

ويظهر اليوم نتائج هذا الترسيخ في أروقة البرلمان العراقي وفي توزيع المناصب حيث حرم التركمان من معظم حقوقهم المشروعة.

ومن الواضح أن التقوقع لا يجدي نفعا، لأنها ستحصر القضية في بوتقة ضيقة وتفقد بديهيات الوصول إلى النتائج،

فعلى السياسيين تطبيق سياسة الانفتاح وتعريف القضية على الصعيدين الداخلي والخارجي، ويتم تحقيق سياسة الانفتاح على الصعيد الداخلي بمرحلتين:

أولا:

تطبيق سياسة التقرب من جميع طبقات الشعب دون استثناء،

والاستماع إلى آرائهم ومعاناتهم وحل مشاكلهم، وإيجاد الحلول اللازمة، وتوحيد الكلمة والصفوف،

وترك الأساليب غير اللائقة التي يتبعها بعضهم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي بالتهجم بأسماء وهمية على الشخصيات السياسية التي خدمت وما تزال تخدم القضية التركمانية،

ومحاولة استبعادهم عن الساحة السياسية،

وعليهم كسر هاجس التخوف من هذه الشخصيات ظنًا منهم بأن هؤلاء السياسيين سينافسونهم على المناصب والكراسي..

إذن يجب عليهم التقرب من الشخصيات السياسية واستشارتهم في معظم الأمور المتعلقة بالقضية التركمانية،

وترك مفكورة القائد الأوحد الذي يعرف كل شيء، لأن العقل الواحد قد يخطئ أو قد يصيب ولكن مجموعة العقول لا يمكن لها أن تخطأ..

كما أن اليد الواحدة لا تصفق وأن صفقت فلا أحدُ يسمع صوتها …

ثانيًا:

بما أن التركمان لا يملكون قوة عسكرية أو دولة خاصة بهم، فعليهم كسب حقوقهم عن طريق تطبيق سياسة الانفتاح إلى جميع الأحزاب العراقية،

والتقرب من رؤساء هذه الأحزاب وكسب دعمهم وخاصة أن التركمان ليس لهم صوت مسموع في البرلمان العراقي الذي يتكون من 329 عضوًا.

فعلى السياسيين التركمان ورؤساء الأحزاب التركمانية كسب جميع هذه الأحزاب عن طريق اللقاءات المستمرة وتوضيح الصورة الحقيقية للتركمان،

ومحاولة محو فكرة التبعية العثمانية، وتقديم التوضيحات التاريخية عن أصول تركمان العراق ومدى ولائهم للعراق والخدمات التي قدموها منذ آلاف السنين .

وأختتم مقالتي بقول الشاعر بشار بن برد العُقيلي (96 هـ – 168 هـ) الملقب بأبي معاذ الذي عاصر الدولتين الأموية والعباسية :

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن … برأي نصيح أو نصيحة حازم …

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة … فريش الخوافي قوة للقوادم …

المعنى : الخوافي هو الريش الصغير تحت جناح الطائر ويكون قوة للقوادم أي للريش الكبير،

ومعناه الإجمالي أن من تستشيره قد يمدك بالقوة كما تمد الخوافي قوة للقوادم .

على أمل اللقاء بكم في الحلقة السابعة: الأتراك والسياسة.. سياسة إمبراطورية «گوك تورك» …

من د. معراج أحمد الندوي

أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية وآدابها جامعة عالية، كولكاتا الهندية